تقاريرسلايد

الشريف حسين.. سليل الرسول الذي عارض وعد بلفور فاستبدلوه بآل سعود

كيف تكونت المملكة العربية السعودية على أنقاض الهاشميين

كتب – أحمد المرسي

كانت الحجاز طوال تاريخها مقر تهفو إليه قلوب المسلمين في  العالم، ولكن الحقيقة أن تلك المنطقة المقدسة لديهم قد تعرضت في كثير من الأوقات للكوارث التاريخية، وكانت أبرز تلك الكوارث على أيدي الحركة الوهابية. حيث كانت هذه المنطقة مرتعًا لألعاب السياسة، التي حددت شكل المنطقة فيما بعد.

الجزيرة بين المتصارعين

نشأت الوهابية في ظل الدولة العثمانية، في نهاية القرن الثامن عشر، وبزغت في بدايتها، ولكن سرعان ما قضى عليها محمد علي باشا بقيادة ابنه إبراهيم باشا الذي دمر عاصمتهم الدرعية، ولكن هذه لم تكن النهاية.

يمكننا أن ننسى بعض الشيء آل سعود وقت أن كانوا مجرد قبيلة تعيش في نجد، ونتكلم عن أشراف مكة الهاشميون، الذين ينحدرون مباشرة من نسل الرسول عن طريق علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء، وقد كان لهم مكانة كبيرة في ظل الدولة العثمانية، حيث كان منهم يتم اختيار والي مكة المكرمة. وفي بداية القرن العشرين كان “الشريف حسين” هو كبير الأشراف. والذي ولته الدولة العلية مكة، خاصة بسبب علاقته الجيدة مع السلطان عبد الحميد والذي كان من المقربين له.

الشريف حسين
الشريف حسين

الطرف الثالث في الصراع هو الدولة العثمانية، والتي كانت قد بدأت تضعف خاصة مع صعود نجم حزب الإتحاد والترقي، هذا الحزب الذي يدعو إلى سيادة العناصر التركية في الدولة، على بقية الأجناس الأخرى ومنها العرب. وهو ما لم يعجب المثقفين العرب، والعديد من القوى العربية.

استطاعت جمعية الاتحاد والترقي عزل السلطان عبد الحميد واستبدلته بالسلطان محمد رشاد، فكان مثل الدمية في يديهم، وعلى هذا الأساس قرر الشريف حسين الاستقلال بالحجاز مع بداية الحرب العالمية الأولى، كرد فعل، بعد أن تمكن الإتحاديون من حكم الدولة العثمانية، وأرسل للسلطان العثماني يقول له في 1916:

“إنَّ هذه البلاد بإعلان الثورة والاستقلال لا تتنكر للأعمال العظيمة والعناية الخامسة التي خصتها بها البلاد الاسلامية والتي قام بها أسلافكم من عظماء السلاطين، ولكن هذه البلاد ترغب في الجهر بعدائها ضد الاتحاديين المتآمرين الذين حاولوا استغلال العلاقة الدينية المذكورة في المنشور العام، وأيضًا إلغاء الامتيازات والحقوق التي أعلنها أسلافكم العظماء منذ ستمائة سنة، والله يعلم مدى احترامنا وعظيم تقديرنا لشخصكم السامي وللسلطنة العثمانية”. 

الثورة العربية الكبرى

بدأت الثورة العربية الأولى عندما أطلق الشريف حسين الرصاصة الأولى من شرفة قصره في مكة، وبمساعدة من بريطانيا التي كانت تلعب سياسيًا بتلك المنطقة، بغرض الضغط على الدولة العثمانية.

وعدت بريطانيا الشريف حسين بتكوين مملكة عربية، يكون فيها العرب هم أسياد بلادهم بعد انتهاء الحرب، وتكون عاصمتها مكة، وتمتد إلى سوريا والعراق والأردن والجزيرة العربية بالكامل. ودعموه بمزيانية كبيرة تقدر بـ 100 ألف جنيه إسترليني.

في الوقت نفسه كانت بريطانيا تقاوم آل رشيد الموالين للدولة العثمانية في شمال الجزيرة، وكانت تريد أن تضربهم ببعض قبائل نجد العربية، ولم تجد أفضل من آل سعود. الذين كانت نفقتهم أقل بكثير من الشريف حسين، حيث كانوا يدعمونهم ب 10 آلاف جنيه إسترليني فقط.

استطاعت الجيوش الحجازية للشريف حسين أن تدخل سوريا، وتطرد القوات العثمانية من الحجاز وجزيرة العرب بالكامل، وأرسل الشريف حسين ابنه فيصل بعد الحرب إلى فرنسا لحضور معاهدة فرساي. ولكن فوجيء الملك حسين بأن بريطانيا وفرنسا قد اتفقا على أن لا يعطونه سوريا.

 

الأمير فيصل بن الشريف حسين في المفاوضات بينه وبين الدول الأوروبية
الأمير فيصل بن الشريف حسين في المفاوضات بينه وبين الدول الأوروبية

خيانة بريطانية

كانت بريطانيا قد أرسلت 10 خطابات للشريف حسين قبل الحرب تعده فيها بأن تملكه على مملكة عربية مستقلة، تضم مناطق جغرافية واسعة، وقد تلقى تلك الخطابات من مكماهون – ممثل الحكومة البريطانية – في القاهرة. ولكن عند تنفيذ ذلك الوعد تراجعت بريطانيا. وأرسلت له كل من سايكس وبيكو المندوبان عن فرنسا وإنجلترا، ليخبراه أنه قد تقرر أن تأخذ فرنسا الأراضي السورية، وأنها لن تكون جزء من مملكته، فرفض الشريف حسين ذلك واعتبرها خيانة.

تركت بريطانيا لحليفها الوقت من أجل التفكير، وعندما عرضوا عليه أن تكون فلسطين وطنًا لليهود رفض ذلك بشدة وعارضه، فقررت بريطانيا أن تستبدل حليفها بحليف جديد. وكان هذا الحليف هو عبد العزيز بن سعود.

الحليف الدموي

كان عبد العزيز قد قضى بالفعل على دولة آل رشيد وأصبح ملكًا على نجد – وسط الجزيرة العربية – وقد رحب بهذا الاتفاق كثيرًا، ووافق هذا رغبته في الاستيلاء على الحجاز، وطرد آل هاشم منها.

عبد العزيز آل سعود
عبد العزيز آل سعود

تخلت بريطانيا عن الشريف حسين، وتركته لابن سعود الذي كان ممتلأ ورجاله من قبائل نجد بالعاطفة الدينية الشديدة والدعوات الوهابية المتطرفة.

بدأت المعارك، وكانت أولها معركة الخرمة بالقرب من الطائف، حيث خان خالد بن لؤي الشريف حسين وانضم إلى بن سعود، ترتب على ذلك دخول الوهابيين الطائف، ثم القيام بمذبحة كان قائدها المتطرف الوهابي سلطان بن بجاد في أهلها قتل فيها النساء والأطفال. وبلغ عدد القتلى من المدنين 400، حيث يقول شهود العيان إنهم شقوا حلوق الأطفال بالسكاكين.

بعد تلك المذبحة أغلق الشريف حسين الباب في وجه بن سعود ورجاله ورفض أن يحجوا إلى مكة، خوفًا على المسلمين، خاصة وأنهم أرادوا أن يحجوا بسلاحهم. مما دفع بن سعود لإعلان الحرب عليه من جديد.

فانعقد اجتماع، من الأشراف، اتفقوا فيه على عزل الشريف حسين، لعل ذلك يهدأ من غضب ابن سعود الذي كان يجمع القبائل المتطرفة والوحشية. وبالفعل تم عزل الشريف حسين بعد تخلي الإنجليز عنه. وقاموا بمساعدة عدوه بالمال والسلاح والجواسيس. وتم تعيين ابنه فيصل بدلًا منه.

ولم يوقف ذلك ابن سعود حيث قام بمهاجمة مكة ومحاصرتها، ثم دخلها، ثم تلى ذلك المدينة، وقام رجاله بهدم قبور الصحابة التي بها وقاموا بتسويتها بالأرض، باعتبار أن تلك القبور بدعة، ويقول المؤرخون أنه لولا ثورة العالم الإسلامي في ذلك الوقت، وكلمات الصحافة العربية اللاذعة لهدم بن سعود قبر الرسول نفسه في المدينة.

المسلمين حول العالم

لكي يهديء بن سعود الرأي العام الإسلامي، قام بنشر خطاب قال فيه أنه لا يريد السيطرة على الحجاز، ولكنه سيقوم بعقد مؤتمر من أجل التشاور بين مندوبي العالم الإسلامي، وأن الحجازيين سوف يمتلكون مكة والمدينة “الأراضي الحجازية” ويحكمونها شورى عن طريق مناديب من العالم الإسلامي أجمع، ولكن هذا لم يحدث إلى وقت كتابة تلك السطور، وسيطر آل سعود بالكامل على أراضي الجزيرة، وقام بتغيير اسم مملكته من اسم مملكة نجد والحجاز إلى مملكة آل سعود، فصارت الجزيرة العربية أول دولة في العالم تسمى على اسم شخص.

سلطان بن بجاد
سلطان بن بجاد

حادثة المحمل

لم تتوقف ممارسات الوهابين عند هذا الحد، ففي عام 1926 عندما تم إرسال المحمل المصري على العادة المقرة منذ مئات السنين، قام الوهابيون بمهاجمة المحمل وقتل العشرات من الحجيج المصري، فامتنعت مصر بعد ذلك عن إرسال الكسوة الخاصة بالكعبة، وامتنع حج المصريين ردح من الزمن.

اما الشريف حسين فقد تم نفيه إلى قبرص، ولما اشتد عليه المرض، سافر إلى أولاده في عمان، حيث مات هناك، ولكنه دفن في المسجد الأقصى حيث كانت وصيته الأخيرة.

بعد موته رثاه أمير الشعراء أحمد شوقي قائلًا:

لك في الأرض والمساء مآتم 

قام فيها أبو الملائك هاشم 

فعد الآل للعزاء وقامت 

باكيات على الحسين الفواطم.

الشريف حسين في نهاية حياته
الشريف حسين في نهاية حياته

انقلب سلطان بن بجاد بعد ذلك على عبد العزيز بن سعود حيث كان يريد مواصلة الجهاد إلى العراق، ولكن بأوامر إنجليزية توقف عبد العزيز عن الزحف واكتفى باجزيرة العربية، فأرسل له بجاد يقول:

“كنت امامنا يا عبد العزيز ودعوتنا للجهاد ضد كل الكافرين والمنافقين، فكثيراً كنت ما تردد من وجوب تدمير العراق وان الغنيمة ستكون حلالاً وتقرأ القرآن كثيراً لتؤكد ان ما يمارسه المسلمون ضد المنافقين امر مشرف واليوم وبناء على طلب الإنجليز الكفار وبعد ان نعتنا بالمقاتلين المحنكين وبأننا سيف الإسلام تصفنا بأننا مخطئون وان علينا تسليم الغنيمه التي غنمناها….فأما ان تكون مفترياً علينا ولا يهمك سوى مصلحتك الخاصة أو ان القرآن الكريم ليس هو الكتاب الصحيح وعلى علماء نجد ان يختاروا بيننا وبينك.”
وبدأت الحرب بين الاثنين، حتى انتهت بأسر سلطان بن بجاد من قبيلة عتيبة، ومن ثم سجنه في الرياض، حتى مات في السجن.

اقرأ أيضًا:

عدو لورانس العرب .. من هو فيلبي المؤسس الحقيقي للمملكة العربية السعودية!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!