بث عاجلتقاريرسلايد

آخر يوم في بومبي.. تفاصيل اللحظات الأخيرة لمن تحولت جثثهم إلى تماثيل

غرقوا 1500 في السر

كتب – أحمد المرسي

في يوم 24 أغسطس من عام 79 ميلادية، كان الكاتب الروماني بليني الصغير، مع عمه ومعلمه بليني الأكبر في مدينة بومبي الرومانية، يتجهزون ليوم العيد، الذي يقدس فيه إله النار الروماني “فولكانوس”.ولم يكن بيلني يتوقع في ذلك اليوم أن يشاهد أكبر كارثة سيراها في حياته، عندما تصاعد الدخان كشجرة صنوبر وغطى الشمس من بركان جبل “فيزوف” القريب من المدينة، وتحول النهار إلى ظلام دامس.

رأى الفتى الشاب الناس في حالة رعب وفزع، وفرحهم يتحول إلى رعب، وحاول سكان المدينة الفرار عن طريق البحر، ولجأ البعض لبيوتهم من أجل الحماية، ولكن هذا لم يمنع ما حدث لهم. حيث أن البركان بدأ يقذف نيرانه الهائلة، وتساقط الرماد السميك، واهتزت الأرض من تحت أقدامهم في زلزلزال عنيف، هذا الزلزال صاحبه ارتفاع لمستوى سطح البحر، وهو ما يعرف اليوم بتسونامي، وفي النهاية احترقت المدينة بالكامل، وانتهى كل شيء في لحظات!

بركان فيزوف اليوم
بركان فيزوف اليوم

مدينة يبلغ عدد سكانها 20 ألفًا تم إبادتهم في ساعات قليلة، ومات بليني الكبير الذي توجه مع ابن أخيه إلى البحر لرصد الظاهرة، فتأثرًا بالغازات المتصاعدة، وعاش بيلني الصغير ليقص علينا ما حدث!

تمثال للكاتب الروماني بيلني الصغير
تمثال للكاتب الروماني بيلني الصغير

اختفت المدينة من فوق سطح الأرض حتى القرن الثامن عشر، وتحديدًا في عام 1738، حيث تم اكتشاف الضحايا موتى في أوضاعهم التي رأوا فيها الموت؛ كجثث متحجرة، وكأنها تماثيل صخرية!

مدينة بومبي الصاخبة

تأسست مدينة بومبي في القرن 6 او الـ 7 قبل الميلاد، من قبل الإسكانيين؛ وهو شعب من وسط إيطاليا، وقد تم استخدام المدينة كميناء يستقبل البحارة والسفن اليونانية والفينيقية، كما قال المؤرخ سترابو.

تم بناء معبد أوبولو في القرن الثاني قبل الميلاد بالمدينة، وعدد من الهياكل الدينية المهمة، حتى أصبحت جزء من الإمبراطورية الرومانية في النهاية.

كانت أرض بومبي والحقول التي حولها خصبة بدرجة كبيرة، وذلك بسبب سماد البركان الذي قذفه “فيزوف” قبل مئات السنين من إنشائها، ولكن أهل المدينة لم يكونوا يعرفون ذلك، حيث كان البركان قد سكن منذ 1500 سنة قبل تكوينهم لمدينتهم، للدرجة التي لم يُوجد في لغتهم اللاتينية معنى لكلمة “بركان” من الأصل. فلم يسبق للرومان أو الإغريق أن رأوا بركانًا ينفجر من قبل.

طبيعة المدينة

في المدينة كان هناك مجتمع روماني تقليدي يتكون من عدة طبقات، فهناك الأسياد والمحاربين والفلاحين والعبيد، وعاشت المدينة حياة رغدة بسبب الحقول الخصبة والميناء التجاري الكبير، فكانت طرقها مرصوفة بالحجارة، وكانت القصور فخمة، ويوجد بالمدينة مسارح كبيرة، والكثير من الحمامات العامة.

كان هناك شبكة صرف للأمطار وشبكة ري متطورة، وممرات لتفادي السيول، وكان في كل زقاق في المدينة صهريج للمياة العذبة من أجل الشرب.

آخر يوم في بومبي

لم يستوعب سكان مدينة بومبي الإشارات الأولى التي أرسلها لهم البركان لجهلهم، فقد تصاعد الدخان من البركان، وجفت الآبار، وهجرت الطيور الجبل وحلقت بعيدًا، بينما صارت الكلاب تعوي عواءًا حزينًا، للدرجة التي وجد فيها المكتشفون كلبًا ميتًا على هيئة تمثال مربوط يحاول الفكاك من قيده، ولكنه احترق وتصنم في مكانه.

حدث الانفجار في منتصف النهار، وارتفع عامود دخان يصل إلى 15 متر في السماء، محمل بمائة مليون طن من الرماد. وعندما شاهد سكان المدينة ذلك انبهروا، واعتقدوا أنها ظاهرة طبيعية ستنتهي عن قريب ولن تكون مؤذية.

وفضلوا أن يحتموا في بيوتهم التي كانوا يعتقدون أنها آمنة من هذا، غطت الرياح المدينة فحملت السحب السوداء الرماد، فأظلمت السماء، وحاول البعض منهم الهروب عبر السفن إلى البحر، فيما اعتصم البقية بالمنازل.

تحولت المدينة إلى الليل الدامس واعتقد أهل المدينة أن الأمر متعلق بكسوف الشمس، وأن تلك الظاهرة سرعان ما ستنقشع، ولكن ما حدث هو سقوط أطنان من الأتربة والرماد والحجارة مع المطر الكثيف على المدينة من السماء، وهلك كل من بها، في الشوارع والأسواق. ولكن لم تكن هذه هي الكارثة، فهناك من نجوا وصعدوا إلى اسطح منازلهم، حيث قذف البركان ما في جوفه من حمم بركانية ونيران، وتدفق بحر الناري من الحمم البركانية فغطى المدينة، وطمرها تحت المطر البركاني. فمات الجميع مختنقين بالرماد والكبريت السام، وغطت الجثث الرماد الكبريتي. فحولهم إلى منحوتات باقية إلى اليوم.

تحولت الجثث إلى تماثيل اسمنتيه، بعد أن تعرضوا لدرجة حرارة تصل إلى 500 سليزية، وغطتها تلك الطبقة من الحمم التي امتدت 7 أميال من الشاطيء.

وتركوا كما هم جلوس ونيام بشحمهم ولحمهم. ولم يوجد فيهم علامة تأهب أو أن أحدهم حاول أن يهرب ويفر، حيث أنهم ماتوا بسرعة دون أن يكون لديهم الوقت للتصرف.

هل كانت بومبي مدينة الفاحشة؟

كانت بومبي مدينة جميلة البناء، لفتت نظر محبي الفن والمؤرخين، وقد وجد بها آثار خادشة للحياء، فإذا كنت سائحًا في المدينة، فبعض المناطق يحظر على الأطفال والأقل من 18 عامًا دخولها، بسبب الرسومات الإباحية في بعض المباني والحمامات، والمنازل التي كانت مخصصة في ذلك الوقت للدعارة والباحثين عن المتعة.

لكن أن سمعة بومبي كونها مدينة الفاحشة جاء مما تداولة العامة والكثير من رجال الدين المسيحي والإسلامي من ادعاءات مفادها أن نهاية بومبي الدرامية كانت تلك النهاية التي وردت في الكتب السماوية والروايات الشعبية في العديد من الثقافات، وأنها القرية التي ذكرت في الآية الكريمة: “و إذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً”. وأن المدينة كانت ممتئلة ببيوت الدعارة، وأن الإغنياء فيها كانوا يقضون أوقاتهم في الساحات العامة بممارسة الفحشاء والشرب والرقص. وأنه في المدينة كان يوجد 35 بيتًا للدعارة، وأنه كان يوجد بيت متعة لكل 75 رجلًا في المدينة، إلخ..

ولكن الحقيقة أنه لا يوجد أي دليل علمي على أن ذلك كان حقيقيًا، فالمدينة وحفرياتها تقول أنها كانت مدينة طبيعية، بحسب كتاب ماري بيرد Mary Beard الذي صدر بعنوان “بومبيي: الحياة في مدينة رومانية”. يقول أنه وسط الجثث كان هناك أطباء بأدواتهم الجراحية، وكان هناك رسامين بألوانهم وفرش الرسم، وأطفال يحتفظون بعملات معدنية في أكياسهم، وفلاحين وعبيد، وخيول، وإسطبلات، إلخ..

كانت الحياة طبيعية في بومبي، وإن كان هناك بعض الصور الإباحية المرسومة على الجدران في بعض الحمامات، فأغلبها كان نمط عام في الحياة القديمة والوثنية، وكان يتم استخدام تلك الرسومات والتسلية، وهذه ظاهرة شائعة في جميع الحضارات القديمة، فعلى سبيل المثال في الهند حمامات ستاهيان أو معبد كاجوراو يوجد العديد من الرسومات الإباحية، حيث كانت الحضارات القديمة والوثنية تنظر للجنس في الأساس على أنه مظهر من مظاهر القداسة وأسلوب للتعبير عن الحب وخاصة الثقافات الشرقية، ووجد لدى المصريين القدماء والعراقيين والإغريق تماثيل تصور ممارسات الحب بين الآلهة الوثنية وفي أقدس أماكنهم الدينية.

إذًا لم تكن بومبي مدينة الفجور كما روج لها المروجون، ولكنها كانت مدينة رومانية تقليدية، مثل بقية المدن الرومانية، تتقلد بتقاليدهم وتدين بديانتهم، ويمارس أهلها احتفالاتهم بنفس الطريقة التي يمارس بها بقية الرومان احتفالاتهم في المدن الأخرى، فإن كان ما حدث لبومبي عقابًا من الله، فلماذا لم يحدث لروما على سبيل المثال عاصمة الإمبراطورية؟ أو أي مدينة أخرى مشابهة؟

الترويج السياحي

إن ما شهر بومبي ليس فقط الجثث الاسمنتية المتجمدة على هيئات وساعات موتها، ولكن الشهرة التي نالتها من خلال القصص الخرافية المتردد عن عقاب الله لسكانها.

والغريب أن تلك الشهرة وهذه السمعة قد جاءت من الحكومات الإيطالية والأوربية ذاتها والهيئات السياحية التي تدير المدينة نفسها، والتي روجت لتلك الأساطير وهذه القصص من أجل الإخراج الدرامي، فقصة عن سكان مدينة قتلهم بركان وحول أجسادهم إلى تماثيل ليست أمرًا جاذبًا بقدر قصة تقول أن أهل تلك المدينة كانوا عصاة زناه فعاقبهم الله بتلك الطريقة الغريبة!

وروجت الحكومة الإيطالية نفسها بأكثر من طريقة إلى هذه القصة من أجل جذب السياحة في تلك المدينة، لتصبح مدينة بومبي أشهر مدينة سياحية فيما يسمى “السياحة السوداء” أو تلك السياحة المرتبطة بالكوارث الإنسانية.

اقرأ أيضًا: 

باتا سيكا.. العبد الذي أجبر على معاشرة مئات النساء وأنجب مدينة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!