تقاريرسلايد

“سري للغاية”.. قصة محمد سيد صابر أشهر جاسوس في الألفية

كيفية القبض عليه وحقيقة ترشحه للرئاسة بعد 2011

بدأت القصة كلها عندما اشتد الطرق على باب شقة الدكتور محمد سيد صابر في فيصل، سنة 2007، وعندما فتح الباب وجد أمامه رجال المخابرات العامة ورئيس نيابة الأموال العامة العليا. الذين اندفعوا يفتشون شقته، وسط ذهول زوجته منال عبدالغني، التي اكتشفت مع التفتيش أنه كان يخفي جهاز لاب توب في غرفته الخاصة، وكانت تسأله عن ما يحدث لكنه إلتزم الصمت.

بكلمات قصيرة أخبرها أنه سيقول لها كل شيء في الوقت المناسب. فأخذه رجال الأمن، لتعلم فيما بعد أنه متهم بكونه جاسوسًا للموساد الإسرائيلي، وتبدأ حينها واحدة من أشهر قضايا الجاسوسية في مصر في آخر 25 سنة، والتي انتهت نهاية درامية.

البداية في عام 2006

كان محمد سيد صابر مهندسًا مصريًا تخرج من كلية الهندسة في الإسكندرية، عندما تخرج إلتحق بهيئة الطاقة الذرية المصرية. وعمل في مفعل إنشاص النووي عام 1997. في 1999 ذهب صابر إلى مقر السفارة الإسرائيلية في القاهرة، من أجل التقدم بطلب الحصول على الدكتوراة من جامعة تل أبيب. وتكرر تردده على السفارة.

قبض عليه رجال الأمن وسألوه عن سبب ذلك ولكنه قال أن حقوقه في العمل منقوصة، وأنه لم يرتكب أي شيء خطأ. فهناك معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل. وهي دولة ليست معادية ومن الطبيعي أن يدرس هناك. ولا شيء يدعو للقبض عليه. نصحة رجال الأمن بعدم تكرار ذلك للخطورة الأمنية. فما كان من صابر إلا أن طلب الحصول على إجازة طويلة من العمل، ثم سافر إلى المملكة السعودية للعمل في أحد شركات البرمجة.

السفر إلى السعودية

إلتقط رجال الموساد صابر منذ ذلك الحين، وتم التواصل معه عن طريق ضابط موساد من أصل أيرلندي يدعى “براين بيتر”. حيث أخبره أنه أحد مهندسي شركات أبحاث الفضاء والبرمجة الدولية، وطلب منه السفر إلى هونج كونج في الصين من أجل إجراء مقابلة عمل. على شرط أن تكون جميع نفقاته خلال السفر مدفوعة بالفعل.

بعد عملية تمويه قابل صابر ضابط الموساد باعتباره أحد موظفي الشركة، وسأله لماذا ترك العمل في مصر وخاصة أن منصبه كان حساسًا؟ فقال له أنه لم يجد التقدير المناسب، فبشره الضابط بأن العمل معه سيكون مقدرًا، وأعطاه ألف دولار.

العودة لمصر

عاد صابر إلى السعودية، ثم استدعاه الموساد مرة أخرى للصين، وهناك قالوا له أنه تم الموافقة على تعيينه في الشركة. وأن المقابلة التالية ستكون مع مدير الموارد البشرية، وتم إعطاءه ألف دولار أخرى. وهو ما جعل صابر يشك في ذلك الوضع، وفي ثالث مقابلة قام بمقابلة “شيرو إيزو” ضابط المخابرات ذو الأصل الياياني، والذي قال له أنهم يريدون فتح فرع للشركة في مصر وأنه سيكون مديرها براتب 3 آلاف دولار في الشهر.

قبل مغادرته الصين، قابل صابر ضابطين من الموساد وأخبراه الحقيقة بشكل كامل، وطلبا منه نسخة من سيستم وزارة الداخلية السعودية، والذي يمكن له أن يدخله عبر شركة البرمجة التي كان يعمل بها، ثم طلبوا منه العودة إلى مصر، واستعادة عمله مرة أخرى في مفعل إنشاص النووي.

طلبت المخابرات الإسرائيلية من صابر عدد من المعلومات عن المفاعل مثل أعداد العاملين ومستوياتهم العلمية والاجتماعية، والمعوقات التي تعترض العمل فيه، والإشعاعات المنبعثة منه خاصة في حال قصفة وتدميره، وطرق حمايته ووسائل المراقبة، إلخ!.

بدأ صابر في إرسالة التقارير المشفرة عبر البريد الإلكتروني، تحت اسم “ميني مي”.

إلى هونج كونج من جديد

بعد إرسال 9 رسائل إلكترونية عبر البريد، تم استدعاء محمد سيد إلى هونج كونج من جديد، وهذه المرة طلبوا منه مهمة أخرى وهي اختراق الأنظمة الإلكترونية في هيئة الطاقة الذرية المصرية، وزودوه بجهاز لابتوب وأسطوانات مدمجة فيها برامج الاختراق، وشيفرة لا يمكن كشفها، وبقي هناك يتدرب على استخدام تلك البرامج.

قبل عودته قاموا بإعطائه 17 ألف دولار، ووعد بمبلغ آخر بعد قيامه بتلك الخطوة بنجاح، ثم سافر من جديد إلى القاهرة، ولكن عندما نزل أرض المطار وجد أن رجال الأمن بانتظاره. وهذا بحسب الرواية الرسمية وهي عكس رواية زوجته التي قالت أنه تم أخذه من المنزل، في حي فيصل بالجيزة.

المحاكمة

تم أخذ صابر من أجل التحقيق معه، وبعد عدة أيام أنكر فيها أنه جاسوس وله علاقة بإسرائيل، تم مواجهته بكل الدلائل، بل بصورة للعقد الذي قام بتوقيعه مع الشركة المزيفة، وعدد من الصور والتسجيلات. فأخبرهم القصة بالكامل. وبحقيقة المبالغة المودعة والمحولة له في حسابه في بنك HSBC.

رفضت زوجة سيد صابر تلك الرواية الرسمية فيما بعد، وقالت أن زوجها ليس له علاقة بكل هذا. وقالت: زوجي بريء ولم يكن مطلقا جاسوسًا. وهو يعيش حياة طبيعية ولا يحتاج إلى كل تلك الأموال، وله طفلتان الأولى (12 عاما) والثانية (6 أعوام)، وكان يتقاضى راتبا كبيرا من هيئة الطاقة الذرية، لكنه فكر في السفر.

حكم على المهندس محمد سيد صابر بالمؤبد، وفصل من جميع وظائفه الحكومية. وتغرم 17 ألف دولار.

تصريحات الأهل

في عام 2007 قالت زوجته للإعلام أن رجال الأمن أخذوه لمدة 60 يوم ولم تستطع الوصول إليه إلا بعد ترحيله إلى سجن طرة. وفوجئت أنه يعتبر نفسه بطل قومي، وقال لها أنه كان موجود في سجن الاستخبارات، وأنه تلقى معاملة جيدة من المسؤولين، باعتباره كشف قضية جاسوسية، وليس متهم بشيء، وكل ما يجري معه عبارة عن تحقيقات لاستدراج عملاء الموساد.

وأضافت منال عبد الغني: كنت مذهولة لأن زوجي لا يعرف شيئا عن قضيته حتى لحظة لقائي به، تحدث معنا كأنه بطل قومي، وسخر بشدة عندما قلنا له بأنه “متهم” بالعمالة للموساد وأن الصحف تقول ذلك.

وعندما أخبرته بأمر اللابتوب سخر وقال وهل من الممكن أن أرسل لابتوب مثل ذلك في البريد السريع، وأن أبلغ السفارة وأنا معي هذه المعلومات.

في 2013 طالبت السيدة ليلى زناتي والدة المهندس محمد سيد صابر المستشار طلعت عبد الدايم النائب العام، بإعادة النظر في قضية ابنها الذي اتهم بتهمة التخابر لحساب دولة أجنبية.

وقالت أنه كان ضحية النظام السابق “نظام مبارك”، وبطش الأجهزة الأمنية فيه، وأنه لم يكن شخص فاشل بل كان متفوق دراسيًا. ولم يكن له هدف في البحث عن الأموال غير المشورعة، لكي يقوم بالتجسس على بلاده.

وقالت رواية أخرى هو أن ابنها كان يبحث عن طريق الإنترنت على عمل في أحد الشركات الخاصة بالطاقة النووية وقام بمراسلة شركة يابانية تدعى “كماكاروا” للتكنولوجيا والتي عرضت عليه العمل لديها. ولكنه شعر بالريبة من أفعالهم فقرر أن يبلغ السفارة المصرية بالرياض. وطلب منه مسئولي السفارة العودة لمصر للتحدث مع المسؤولين، ولكنه فوجيء أنه يتم إلقاء القبض عليه، ويحكم عليه بالسجن المؤبد.

إعلان الترشح للرئاسة

في عام 2011 وبعد عزل الرئيس الأسبق حسني مبارك وعن طريق مكالمة من سجن طرة تحدث محمد سيد صابر إلى جريدة اليوم السابع وأخبرهم أنه يطالب المشير حسين طنطاوي بالإفراج عنه وفتح ملف قضيته مرة أخرى. وأنه ظلم في عهد الرئيس مبارك الذي كان يلفق قضايا لكي يظهر نظامه كنظام بطل أمام الرأي العام.

وقال أن زملاءه في هيئة الطاقة الذرية اتصلوا به بعد ثورة 25 يناير وقالوا أنهم يريدون الشهادة معه بأن المعلومات التي اتهم بنقلها ليست سرية ولا تهدد الأمن القومي. وعلق: “ربنا انتقم لى منهم فما حدث لمبارك ابتلاء من ربنا بسبب ظلمه للناس”.

وقال أنه لم يحاول الهروب من السجن مثلما فعل آخرون، وذلك خوفًا من اغتياله على أيدي رجال الأمن في حكومة مبارك، وصرح أنه لو تم الإفراج عنه سيرشح نفسه لرئاسة الجمهورية. وأنه يحمل برنامج انتخابي لتطوير مصر، وأنه سيقبل بالتطبيع مع إسرائيل في مقابل إقامة دولة فلسطين. وعلق:“لا أقول إن الإسرائيليين جيدين، لكن لابد أن تربطنا علاقات بكل دول العالم، مع إسرائيل وإيران “والجرى وراء الفكر التقليدى بأن الإسرائيليين خونة “كلام ميأكلش عيش للشعب”.

وأضاف: مبارك ارتكب خطأ أنه سابني في السجن، لأنه لو كان أفرج عني كنت سأعطي له برنامجي الانتخابي، الذي أعددته خلال 4 سنوات في السجن. وكان سيظل في الحكم هو وأولاده وأحفاده لأنه كان سيحظى بشعبية كبيرة.

رفض النقض

في عام 2015 رفضت المحكمة النقض على قضية محمد سيد صابر، وأيدت الحكم الصادر بشأنه والخاص بالسجن المؤبد، وقالت المحكمة أنه لا يجوز الطعن على الأحكام الصادرة من محاكم أمن الدولة العليا، طبقا لنص المادة 12 من قانون الطوارئ، كما أن تكون هذه الأحكام نهائية إلا بعد التصديق عليها من رئيس الجمهورية. إلا أن المحكمة قررت إعادة النظر في القضية.

اقرأ أيضًا: 

مومياوات الإنكا.. حكاية ثلاثة أطفال يراقبون العالم من فوق الجبال منذ 500 سنة!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!