في لقاء نادر مع سعاد حسني، سألها المذيع: “من هي سيدة الشاشة العربية”، صمتت سعاد حسني قليلا، وقالت: “سيدة الشاشة العربية يعني (صمت).. دا لقب حلو (تضحك)، ولطيف، وفاتن حمامة ليها عمر طويل في السينما وليها أمجاد كبيرة، فإذا كنا يعني نحب نقول، السيدة بتاعت هذه الشاشة اللي عملت فيها أشياء كثيرة وجميلة، ودا مينقصش يعني من مجهود فنانات تانيين في نفس زمن فاتن حمامة، لأن فيه كتير عملوا أدوار كويسة، إنما فاتن كان ليها أدوار كتير كويسة”.
****
ساهم المخرج الكبير هنري بركات فى منح سعاد حسني، البطولة من أول عمل فقد كان ظهورها السينمائى الأول في فيلم “حسن ونعيمة” عام 1959، والفيلم كان من المفترض أن يجسد دور البطولة فيه فاتن حمامة وعبد الحليم حافظ لكن بركات قرر منح الأدوار الرئيسية في الفيلم لوجوه جديدة، وبالفعل قدم سعاد حسني ومحرم فؤاد وحقق الفيلم نجاحًا كبيرًا، ووضع بذلك سعاد حسني على خريطة السينما العربية.
لكن هنري بركات الذي منح النجومية لسعاد حسني، صنع أزمة كبيرة بين النجمتين وصلت للقضاء، والسبب فيلم حبيبتي، حيث اتفق مع سعاد حسني على بطولة الفيلم، واتفقا على السفر للبنان، لكن وهي تحزم حقائبها، أخبرها صحفي أن فاتن حمامة هي التي ستقوم بالدور، تأكدت سعاد من الأمر فقررت مقاضاة بركات (على الهامش، عملت سعاد حسني مع بركات في ليلة الزفاف، وحسن ونعيمة والحب الضائع، لكن شارك مع فاتن حمامة في 12 فيلم وهي أكثر فنانة عملت معه، ويعتبرها نجمته المفضلة).
وتوجه لبيب معوض محامي السندريلا إلى بيروت وهو يحمل حكم قضائي صادر من محكمة القاهرة يتضمن وقف فيلم «حبيبتي» إذا لم تقم ببطولته، وكان هناك اتفاقية تقضي بتنفيذ الأحكام بين البلدان العربية.
تقول سعاد حسني في حورا صحفي وقتها: “فوجئت بأحد الأشخاص بعد استعدادي للسفر إلى لبنان يبلغني بأن الفنانة فاتن حمامة ستسافر إلى لبنان للقيام بدور البطولة بدلا مني، وقد دهشت كثيرًا لأنني راجعت السيناريو من قبل عدة مرات مع المخرج هنري بركات وتم الوقوف على كل ما يخص الدور، وعندما بحثت حول الأمر تأكدت من صدقه”.
وأضافت: “الدور لا يهمني من الأساس ولكن ما أغضبني هو موقف بركات المفاجئ وموقف فاتن حمامة أيضًا لأنها تعلم جيدًا بان هذا الفيلم تم عرضه على وأبديت موافقتي، وكنت على استعداد للتنازل عن الفيلم ببساطة لو أن بركات تفاهم معي بالحوار، ولكن الأسلوب الذي اتبعه اضطرني إلى اتخاذ موقف يتلاءم مع موقفه الذي اعتبره إهانه لي وإخلالا بالعقد الذي بيننا.
وقد طلبت سعاد حسني من المحامي باتخاذ الإجراءات التي تحفظ حقي الأدبي وحتى لا تصبح هذه الواقعة سابقة لعدم احترام التعاقد مع الفنانين وقد ثبت حقي بحكم القضاء الذي يؤكد اننى لم أخل بالتزاماتي ولم يكن بيني وبين بركات اى نوع من الخلاف.
وبالرغم من كل ما سبق فإن الفنانة الراحلة سعاد حسنى قامت بوقف تنفيذ الحكم حتى لا يتعرض الفيلم إلى أضرار مادية وأدبية وأن هذا في النهاية لا يرضيها الخسارة لأي فنان أو فنانة.
تعلق سعاد حسني على الأمر: “لو فاتن حمامة متهمنيش مكنتش أزعل، طبعا أنا انجرحت منها، والموقف ضايقني، لكن رغم إني قررت أخش قضايا، لكن مهتمتش بعد كدا، ونسيت الحكاية، يعني هي لو مش عزيزة عليا، وبحس ناحيتها باحترام، مكنتش أزعل منها”.
تعليق سعاد حسني على القضية
عبد الحليم يتدخل بين سعاد حسني وفاتن حمامة
بحكم علاقة الصداقة التي تجمعه بفاتن حمامة، وعلاقة الحب التي جمعته بسعاد حسني، والتي وصلت للزواج في رأي كثيريون منهم مفيد فوزي الصديق المشترك بينهما، تدخل حليم وأرسل رسالة صوتية للثنائي لوقف الخلاف بينهما الذي ظل يغطي صفحات الجرائد لفترة طويلة.
يقول حليم في رسالته إنه فكر أن يرسل رسالة خاصة إلى فاتن حمامة “سيدة الشاشة العربية” وسعاد حسني “نجمة الشاشة العربية”، لكنه قرر أن يرسل رسالة واحدة لهما معا لأن نفس الكلام الذي كان سيكتبه لفاتن كان سيقوله لسعاد، وطلب منهما أن تجلسا معا لإنهاء أي خلاف بينهما، لأنه يرى أن كل واحدة نجمة كبيرة تقدم أدوارا مختلفة عن الأخرى، وتمنى أن تتوقف الأخبار التي تتحدث عن تشاجرهما على قصة فيلم أو مخرج ما.
صوت عبد الحليم حافظ في رسالته الشهيرة سنة 1972
https://youtu.be/2QtOtcbZIUU
وفي لقاء لها سنة 1978 قالت فاتن حمامة عن سعاد حسني: “سعاد حسني من أحلى وأحسن الممثلات اللي جم على الشاشة، ومن ألطف الوشوش اللي جات على الشاشة”، بينما شبهت سعاد حسني زميلتها فاتن حمامة بأم كلثوم الفن.
جذور الخلاف بين فاتن حمامة وسعاد حسني
لكن الخلاف بين النجمتين يعود لواقعة قديمة بعض الشيء، وبحسب كتاب “سعاد حسني.. القاهرة لندن.. السنوات الأخيرة” للكاتب الصحفي والشاعر محمود مطر، سئلت فاتن حمامة في أوائل الستينيات وحين كانت سعاد حسنى وجها جديدا متألقا وصاعدا بسرعة الصاروخ، عن الوجوه الجديدة التي تتوقع لها مستقبلا مشرقا في السينما المصرية عمن يلفت نظرهم من النجوم الجدد، فسمت زيزي البدراوي وفنانة آخى وتجاهلت سعاد حسني، الأمر الذي أغضب سعاد حسني، وكان يهمها شهادة من النجمة التي تحبها..
وفي مرة ثانية في مهرجان القاهرة السينمائي، تجاهلت فاتن حمامة اسم سعاد حسني، عندما علقت فاتن حمامة بصوتها على فيلم عن تاريخ السينما المصرية وتم تجاهل تاريخ ودور السندريلا، فقالت سعاد: “والله العظيم أنا مش زعلانة لا من مدام فاتن ولا من سعد وهبة.. وكتر خيرهما أنهما أخرجوا المهرجان بهذا الشكل وكتر خير مدام فاتن أنها قامت بجهد مشكور في المهرجان الذي أعتبره حدثا فنية فريدا ينبغي أن نحافظ عليه”.
هنا لا بد أنك لاحظت اختلاف موقف سعاد حسنى من تعمد فاتن حمامة لتجاهلها في كلا الموقفين، ففي الموقف الذي حدث في بداية الستينات من تجاهل مقصود من فاتن حمامة لسعاد باعتبارها الوجه الجديد الأبرز في ذلك الوقت غضبت سعاد، أما في الموقف الثاني وبعدها بحوالي 35 عاما وبعد أن أصبحت سعاد النجمة الأبرز والأكثر حضورا لم تغضب من فاتن حمامة حين تجاهلت دورها في السينما المصرية بل وتكلمت عنها بمنتهى الاحترام»، ربما لأن سعاد في هذه الفترة كانت وصلت لنجومية لا يمكن إنكارها أو تجاهل أو اسمها، وربما بتأثير المرض.
لقب نجمة القرن العشرين
لو كنت تتابع ازمة لقب نادي القرن بين نادي الأهلي والزمالك، فأنت على موعد مع ازمة أكبر، عندا منحت فاتن حمامة لقب نجمة القرن العشرين، غالخلاف بينهما بدأ من بعض النقاد والصحفيين بعد ما حصلت فاتن حمامة عام 1996 على لقب نجمة القرن العشرين، إذ اعترض البعض، ومنهم جمهور سعاد حسني الذين قالوا إن هذا اللقب استفزهم، وأن سعاد حسني هي الأحق بهذا اللقب، بسبب الأعمال المتنوعة التي قدمتها.
أحلام هند وكاميليا الذي تحطك على صخرة نادي الجزيرة
الغريب إن سعاد حسني بكل تاريخها، وفاتن حمامة بكل تاريخها، لم تجتمعا في أي عمل فني، حاول المخرج الراحل محمد خان الجمع بينهما في فيلم “أحلام هند وكاميليا” ورغم أن كلاً منهما وافقت على الفكرة في البداية بعد مكالمة هاتفية، واختار خان لسعاد دور كاميليا واسند دور هند لفاتن، إلا أن الحلم تحول لسراب.
يقول خان في مقال نعى به فاتن حمامة بعد وفاتها: “حين بدأت أزرع بذرة فيلم “أحلام هند وكاميليا”، كان حلمي وحماسي الشديد في أن أجمع كلا من فاتن حمامة وسعاد حسنى في فيلم واحد، وكانت فكرة “هند وكاميليا” مثالية لهذا الغرض، خصوصا أنه لم يجمعهما أي فيلم من قبل ولا من بعد. في بادئ الأمر أبدت كل منهما استعدادها للمبدأ في التليفون، ولكن لم يكن هذا سوى كلام في الهواء الطلق”.
وتابع: “تبدد الحلم بعد جلستي مع سعاد في نادي الجزيرة عدة ساعات، نشرب عصير الليمون، ونتحدث عن شخصية “كاميليا”، التي عرضتها عليها، لينتهى اللقاء باستبعاد فكرة لقاء سعاد وفاتن في الفيلم، بعد أن اختلفت رؤيتي عن رؤية سعاد في فهم وتجسيد “كاميليا” على الشاشة، ولم يكن بعد ذلك هناك أى داع لمناقشة شخصية “هند” مع فاتن، لأن التركيبة التي تخيلتها بلقائهما دُمرت، على الأقل مؤقتا من وجهة نظرى، وقد كان أصلا كلامي مع فاتن عن فكرة هذا اللقاء قد تمّ عبر الهاتف”.
