تقاريرسلايد

بعد 35 عام على اغتياله.. التاريخ ينصف جيفارا أفريقيا

تعالى لنطير سويا إلى بوركينا فاسو، وقصة من قصص العدالة التي تتحقق بعد عشرات السنين، قصة القصاص لقتلة الزعيم البوركيني سانكارا، والشهير بجيفارا أفريقيا، ودفنه مرة آخرى بعد أن ظلت جثته خارج قبره 8 سنوات.

فما هي القصة ؟

هو توماس ايزيدور نويل سانكارا، والذي ‏ كان رائدًا في الجيش البوركيني ومناضلًا وقائدًا ثوريًّا، ووصل لرئاسة الجمهورية في بوركينا فاسو من عام 1983 إلى عام 1987.

كان سانكارا شخصية ثورية كاريزمية، واستولى على السلطة في انقلاب لقي تأييدا شعبياً عام 1983 (الانقلابات في أفريقيا مثل السلام عليكم، تحدث كل يوم وكل ساعة)، وكان هدفه يتمثل في القضاء على الفساد وهيمنة القوة الفرنسية المستعمرة، وبناء اقتصاد قوي.

وغير اسم بوركينا فاسو من فولتا العليا إلى بوركينا فاسو والتي تعني أرض الرجال النزهاء، كان الزعيم البوركيني القادم من انقلاب، رجل سياسة واقتصادي محنك، ففي فترة 4 سنوات من حكمه حقق العديد من المشاريع الاقتصادية القوية.

وكانت سياسته الخارجية تتمحور حول مناهضة الامبريالية (دعك من تعريف عادل إمام للإمبرالية بانها من الأمبرة، الإمبرالية هي ( الهيمنة السياسية والاقتصادية على الدول الفقيرة من الدول المستعمرة، خصوصًا في قارتي آسيا وأفريقيا ويتم ذلك عسكريا أو عن طريق القوى الناعمة كالإعلام وغيرها)، وكان يتجنب المساعدات الخارجية وسلطة ونفوذ صندوق النقد الدولي.

وفي الشأن الداخلي، تركزت سياسته على منع المجاعة مع الاكتفاء الذاتي الزراعي وإصلاح الأراضي، وإعطاء الأولوية للتعليم بحملة لمحو الأمية في جميع أنحاء البلاد، وتعزيز الصحة العامة عن طريق تطعيم 2.5 مليون طفل ضد التهاب السحايا، والحمى الصفراء والحصبة، وبرنامج لغرس 10 ملايين شجرة من أجل إيقاف التصحر والذي يعد الأول من نوعة في تاريخ أفريقيا، والاكتفاء الذاتي حيث أصبحت بوركينا فاسو أول دولة في تاريخ أفريقيا مكتفية ذاتياً مع وجود فائض في الإنتاج.

وعمل على بناء مدرسة ومستشفى في كل قرية وربط القرى بالمدن عن طريق الآف الكيلو مترات من الطرق والسكك الحديدية، ومنع ختان الاناث وزواج القاصرات وقام بتعيين نساء في المناصب الحكومية العليا، وقام بإنشاء محاكم ثورية على غِرار تلك الموجودة في كوبا لمحاكمة الفاسدين ومُبذري المال العام، وخفّض رواتب الوزراء وباع أسطول السيارات المستوردة في الموكب الرئاسي، مستعيضا عنها بأرخص أنواع السيارات في بوركينا فاسو وهي الـ (رينو 5)، وكان راتبة 450 دولار فقط وبذلك يعد أفقر رئيس في العالم وقتها، وكان متأثرا بالزعيم تشي جيفارا، لذا لُقب بجيفارا أفريقيا.

 قتله

ولأنك عزيزي القارئ في الغالب مصري وأفريقي أو عربي تتنفس السياسة في منطقة الشرق الأوسط التعيسة، ستعرف أن حاكم مثله سيكون عمره قصيرا لأن أصحاب المصالح سيعملوا على تقويض حكمه لأنه ضار بهم.

أفكار سانكارا شديدة الخطورة على الزعماء الأفارقة، وعلى بلادهم المحكومة بالحديد والنار، لذا عمل زعماء الدول الأفريقية ضده خوفاً من انتشار أفكاره الثورية التي تهدد مصالحهم، فتحالفو مع فرنسا التي سئمت من سنكارا بسبب شعاراته المناهضة للامبريالية، وخطّطوا للإطاحة به عن طريق كومباوري، وهو صديق سنكارا ورفيقه الذي خانه وتعاون مع المخابرات الفرنسية، وقام بانقلاب على سانكارا وقتله عام 1987، بعد 4 سنوات قام بها بإصلاحات عديدة، وقبل وفاته بأسبوع قال سانكارا(يمكن قتل الثوار لكن أفكارهم لا تقتل)، مجموعة مسلحة من 12 شخص قطعوا طريق سانكار وقتلوه وقد أخذوا جثته وقطعوها إرباً ثم دفنوها في إحدى المقابر.

كومباوري، أصبح رئيس بوركينا فاسو، هو لم ينقلب عليه، ليراه مقلوبا فحسب، بل تسلم السلطة، وظل رئيسا لدولة بوركينا فاسو منذ 1987 و حتى 31 أكتوبر 2014، وفاز كومباوري بانتخابات صورية في 1991 و 1998 و 2005 و 2010.

 نهاية الخائن

في 2011 قامت احتجاجات ضده، حيث قام أفراد الحرس الرئاسي بتمرد عسكري على كومباوري احتجاجا على عدم دفع منحة خاصة بالسكن كانت السلطات قد وعدتهم بها. فرّ كومباوري من قصره واتجه إلى مسقط رأسه مدينة زينياري على بعد 30 كم من من العاصمة واغادوغو، فأحرقوا المحلات وأطلقوا النيران بعشوائية، وبعدها تمت تسوية بينهم وبين النظام، وعاد للحكم، وفي سنة 2014 قرر الترشيح لولاية خامسة، لكن الاحتجاجات اندلعت في البلاد ففر مما اضطره إلى الاستقالة من منصبه و الفرار إلى ساحل العاج.

في سنة 2015 وبعد فراره، قررت بوركينا فاسو إخراج جثمان توماس سانكار، في إطار تحقيق، لأنه لم يسمح كومباوري باستخراج جثة سانكارا طوال فترة حكمه، وبعد 8 سنوات من إخراج الجثامين، أعيدت مرة آخرى إلى مقابرها.

حيث أعيد دفن رفات سنكارا، ورفات 12 شخصا ماتوا معه، في موقع اغتياله الذي أصبح منذ ذلك الحين نصبا تذكاريا له يضم تمثالا بالحجم الطبيعي للزعيم السابق وهو يرفع قبضته في الهواء، وأقام الجنود وزعماء المجتمع تأبينا للزعيم الراحل، والتقط بعضهم صورا بجوار نعش سانكارا، وتمت تغطية كافة النعوش بأعلام بوركينا فاسو وبجانب كل منها صورة صاحب النعش.

وحوكم كومباوري، الذي يعيش الآن في ساحل العاج، غيابيا وأدين بالتورط في قتل سانكارا ورفاقه، وحكمت عليه محكمة عسكرية في بوركينا فاسو بالسجن المؤبد لكن الحكم لم ينفذ لأنه هاربا، كما حكم على جيلبرت ديندير، الساعد الأيمن لكومباوري، ورئيس المخابرات السابق توسما ياسينثي كافاندو، بالسجن المؤبد.

قصة ربما تكون أملا للشعوب المقهورة أنه لا بد من يوم معلوم ترد فيه المظالم، سيكون الأبيض لونا لكل مظلوم لكن الأسود ربما لا يرتديه الظالم في الدنيا لأنه لحق وعمل لجوء سياسي، لكن حتما سيكون هناك لقاء آخر، لقاء لا مفر منه ولا وجود لمحامي شهير، ولا وجود للجوء السياسي، يوم سيقال له فيه “اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا”. 

 

 

بعيدا عن الفيلم.. هذه هي نهاية عزت حنفي بطل فيلم الجزيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!