المقالاتسلايدكُتاب

رائد عزاز يكتب “ظاهرة التجنيس بين الحق والتدليس!”

 

لا يمكن أن نحدد علي وجه الدقة بدايات ظاهرة التجنيس الرياضي لكننا نستطيع أن نلمس بوضوح مدي الانتشار الذي وصلت إليه في وقتنا الحاضر لدرجة أصبحت تهدد عدالة تساوي الفرص بين المتنافسين داخل الملاعب والميادين.

هناك فارق كبير بين التعاقد مع محترفين أجانب علي نطاق الأندية و بين منحهم جنسية دولة لا تربطهم بها أي صلة …العملية الأولي تتضمن إيجابيات عديدة أهمها رفع مستوي المسابقات الذي يسهم في زيادة عوائد البث و الإعلانات , أما الثانية فكلها سلبيات حيث تحرم أبناء البلد من شرف تمثيل الوطن كما أنها تعمل علي تزييف التاريخ الرياضي عن طريق تمكين بعض الدويلات الصغيرة من الظفر بألقاب عالمية لا تتناسب مع قدراتها البشرية و الفنية.

جرائم التجنيس العشوائي تُرتكب بشكل ممنهج يخالف كافة المعايير و القيم المجتمعية , تماما كما فعل العمدة المتجبر في فيلم الزوجة الثانية حين أباح لنفسه أمرا محظورا متسلحا بشعار: (الدفاتر بتاعتنا و التواريخ في إيدينا حد هيحاسبنا؟).

ساستعرض معكم الحالات الموجودة علي الساحة العالمية كي ندرك معا حجم التباين بين الحق و التدليس:

–أولا : أوربا و الأمم المتقدمة تهب جواز سفرها تلقائيا للأجانب المولودين علي أرضها هم أو أحد أبويهم أو أجدادهم، فضلا عن حقهم في الحصول عليه بقوة القانون إذا أقاموا داخل الحدود بطريقة شرعية لفترة زمنية تحددها السلطات المعنية.

فرنسا فتحت أبوابها أمام المهاجرين العرب و الأفارقة الذين استقروا بها و أنجبوا أجيالا متعاقبة لا تعرف وطن أخر فكان من الطبيعي أن ينخرطوا في نسيجها و ينضموا لصفوف منتخباتها الكروية مثل: زين الدين زيدان و سمير نصري و بنزيما أصحاب الأصول الجزائرية، باتريك فييرا القادم من السنغال , تريزيجيه الأرجنتيني المولد.…..منتخب ألمانيا ضم لصفوفه عناصر من جذور مختلفة : مميت شول و مسعود أوزيل ذو العروق التركية، كلوزه و بودولسكي البولنديين المنشأ، سامي خضيرة التونسي الهوية… منتخب اسبانيا استفاد من جهود أجانب عاشوا علي أرض الأندلس : دي ستيفانو الأرجنتيني , بوشكاش المجري , ماركو سيينا ودييجو كوستا البرازيليين.

— ثانيا : القوانين المعمول بها الأن تعطي للاعب الذي يحمل جنسية أكثر من دولة حرية اختيار واحدة منهم فقط لتمثيلها دوليا بشرط ألا يكون قد شارك مع أخري في مباريات رسمية و يستثني من ذلك اللعب مع منتخبات الناشئين واللقاءات الودية للفريق الأول… اللوائح القديمة كانت تبيح لمتعددي الجنسية تغيير البلد التي يلعبون باسمها كلما أرادوا ذلك دون قيد أو شرط حتي قام الأتحاد الدولي بتعديل النظام أواخر القرن الماضي للحد من حالات التلاعب . أشهر الأسماء التي

تعبر عن هذه الحالة : (برنس بواتنج) الذي مثل كل فرق ألمانيا الوطنية في كافة الأعمار السنية لكن عندما وصل إلي المستوي الأول فضل أن يرتدي قميص بلده الأصلي غانا بينما أختار شقيقه (جيرومي) الاستمرار في الدفاع عن ألوان المانشافيت , (تياجو موتا) البرازيلي خاض عديد من اللقاءات ضمن صفوف منتخبات شباب السامبا فضلا عن 3 وديات مع الفريق الكبير لكنه قرر في النهاية اللعب تحت راية الأزوري الإيطالي.

–ثالثا : بعض المجتمعات الناشئة حديثا ترغب في ملأ خزائنها بألقاب رياضية خلال أقل مدة زمنية لذلك لجأت لسياسة التجنيس الجهنمية.

منتخب قطر لكرة اليد الذي توج بالمركز الثاني في مونديال الدوحة كان مكون من 16 لاعب ثلاثة منهم فقط ينتمون لأصول قطرية و الباقي كلهم أجانب تم التعاقد معهم من أجل اللعب بأسم الإمارة الخليجية مقابل أموال و إمتيازات أسطورية. الأمر لم يقتصر فقط علي كرة اليد بل أمتد ليشمل كل منتخبات العنابي في السلة وألعاب القوي و المصارعة و رفع الأثقال بالإضافة إلي الفريق الوطني لكرة القدم الذي كان يضم سابقا بين صفوفه : سباستيان سوريا , فابيو سيزار ، إيميرسون, لويس بن مارتن , دام تراوري , بو ضياف و علام خوخي الجزائريين و المصري ياسر المحمدي!.

الإمارات و البحرين أتبعوا أيضا نفس السياسة لكن علي نطاق أضيق، كذلك تونس التي جنست النجمين البرازيليين سيلفا دوس سانتوس وكلايتون قبل بطولة أمم أفريقيا التي جرت علي ملاعبها عام 1994 .

— رابعا: هناك كتلة سكانية تعيش داخل حدود بعض دول الخليج لكنها لا تحمل أي جنسية بل تمتلك فقط بطاقات إقامة تتيح لها بعض امتيازات المواطنة دون التمتع بأي حقوق سياسة…. المقيمون منهم بالسعودية يسمون (البلوش) أما القاطنون بالكويت فيطلق عليهم أسم (البدون) الذين برع بعضهم في لعب كرة القدم لدرجة أجبرت أصحاب القرار علي إعطائهم جوازات سفر مؤقتة يستخدمونها للعب مع الأزرق خلال البطولات الرسمية علي أن تسحب منهم فور انتهاء المهمة وهو الأمر الذي أثار جدلا واسعا حول مدي شرعيته من الناحية القانونية والإنسانية. فهد العنزي و محمد راشد المنتميان لهذه الفئة كانا ضمن العناصر الأساسية لمنتخب الكويت طوال سنوات طويلة لكن ذلك لم يشفع لهما من أجل الحصول علي الجنسية فتمردا وهددا بالاعتزال المبكر مما دفع مجلس الوزراء لإصدار قرار استثنائي بمنحهما جواز سفر دائم مع حجب حقهما في استخراج بطاقة شخصية مدنية!

هذا المرسوم الغريب المتناقض يعني ببساطة أنهما سيعاملان بالخارج كمواطنين كويتيين طبيعيين أما بالداخل فهما مجرد (بدون) لا أكثر ولا أقل!.

رائد عزاز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!