تقاريرسلايد

جبان وتخلى عن تقاليد الساموراي.. قصة رجل عاش منبوذًا لأنه نجى من تيتانيك

حكاية ماسابومي هوسونو

كتب – أحمد المرسي

في ليلة 15 أبريل سنة 1912 كانت سفينة تيتانيك أشهر سفينة في التاريخ تغرق في المحيط الأطلنطي، بعد أن ارتطمت بجبل جليدي، وهو الحادث الذي تسبب في مقتل 1500 من ركابها.

كان ضحايا السفينة من جنسيات مختلفة، وكان الناجون كذلك من جنسيات مختلفة، وكان من بينهم ياباني واحد فقط هو ماسابومي هوسونو، الموظف بوزارة النقل اليابانية. والذي تغيرت حياته بالكامل بعد تلك الحادثة، ولم تعد كما كانت أبدًا.

الولد المحظوظ

لم يكن يعرف ماسابومي أنه على وشك أخطر حادث في حياته، عندما ركب سفينة تيتانيك من ميناء ساوثهامبتون في إنجلترا، متجهًا إلى نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية في مهمة عمل.

كان منذ عام 1910 مبعوثًا في الإمبراطورية الروسية، من أجل دراسة سكك حديد روسيا، من أجل نقل التجربة إلى اليابان الحديثة، وبعد أن رحلة العمل تلك، جاءته الأوامر بالانتقال إلى بريطانيا، ثم استقلال سفينة تيتانيك كمسافر من الدرجة الثانية للولايات المتحدة الأمريكية.

غرق السفينة تيتانيك

في ليلة 15 أبريل أيقظ خادم ماسابومي سيده وفي يده سترة نجاة، وأخبره في فزع أن السفينة تغرق، وعندما حاول ماسابومي الصعود إلى السطح منعه المسؤولون ظنًا أنه راكب من الدرجة الثالثة وسينازع البقية على قوارب النجاة، فقد بدأ إطلاق قوارب النجاة بالفعل.

في النهاية شق طريقه متجاوزًا العوائق، وصعد إلى سطح القارب، حيث رأى قذائف النجدة تطلق في الهواء، بومضات زرقاء مرعبة، و صراخ الناس المذعور وهم في حالة هرج ومرج بمواجهة الموت.

رأى هوسونو أربعة قوارب نجاة يتم إطلاقها وفكر في احتمال موته الوشيك. وعن طريق الصدفة استطاع الشاب أن يجد مكانًا له في أحد تلك القوارب.

حمد حسيب.. قصة المصري الناجي من غرق سفينة تايتنك

في الساعة 8 صباحًا، وجدت سفينة كارباثيا RMS Carpathia ركاب قارب النجاة. وبمجرد أن أصبح على السفينة الأخرى، نام في غرفة التدخين وبعض البحارة يسخرون منه. وقام هوسونو أثناء وجوده على سفينة الإنقاذ التي كانت تتجه به إلى نيويورك بكتابة خطابًا لزوجته على ظهر كتيب تعليمات خاص بسفينة تيتانيك كان معه، قال لها فيه ما حدث له.

بعد عودته إلى اليابان

جذبت قصة هوسونو القليل من الاهتمام في البداية. وذهب هو إلى نيويورك وطلب من أصدقائه المساعدة في إعادته إلى وطنه. من هناك سافر إلى سان فرانسيسكو ليجد سفينة عائدة إلى اليابان.

سمعت إحدى الصحف المحلية بقصته وأطلقت عليه لقب “الصبي الياباني المحظوظ”. وبالعودة إلى طوكيو ، أجرى عدد من المجلات والصحف مقابلة معه بما في ذلك صحيفة “يوميوري شيمبون” اليومية، التي نشرت صورة له مع عائلته.

ولكن لم تدم فترة شهرة ماسابومي هوسونو طويلا، فخلال الفترة التالية نشرت الصحف الأميركية تقارير فظيعة عن الناجي الياباني الوحيد،حيث أدعى أحد الناجين أن هوسونو كان يدفع بعض المسافرين من أجل الحصول على المكان المتبقي في قارب النجاة رقم 10، وأبلغ البحار المسؤول عن القارب “أبل سيمان إدوارد بولي” والذي كان يُحقق معه في مجلس الشيوخ أن الياباني قد تنكر بزي امرأة من أجل التسلل للقارب.

وبالتزامن مع بلوغ هذه التقارير الأميركية اليابان، تحوّل ماسابومي هوسونو إلى نكرة في وطنه، حيث لقبه الجميع بالجبان واتهموه بالتنكر لتقاليد الساموراي وقواعد الشرف، مؤكدين على وجوب إقدامه على الانتحار “الهيراكاري” عند وقوع الكارثة.

وبالإضافة إلى تهجّم الصحافة اليابانية عليه واتهامه بالجبن والخيانة، طرد هوسونو من وظيفته، وقال مقال كتب في عام 1997 أن الكتب المدرسية وصفته في تلك الفترة بأنه مثال حي على الإهانة، وقد ندد به أساتذة الأخلاق في الجامعات باعتباره ليس له أخلاق!.

رد الفعل العدائي؟

طرح الأكاديميون الغربيون بعد ذلك تفسيرات مختلفة لسبب مواجهة هوسونو لمثل هذا الرد العدائي. حيث تم الترويج في الجرائد اليابانية المتأثرة بالثقافة الغربية، والمتشبهة بها في ذلك الوقت مفهوم أنه خان “روح الساموراي للتضحية بالنفس”، وقالت دكتورة “مارجريت دي” أن بروتوكول “النساء والأطفال أولاً” لم يكن جزءًا من كود الساموراي، ولكن هذا كود أخلاقي أوروبي وصل اليابان عن طريق كتاب اسمه “المساعدة الذاتية” قام بتأليفه صمويل سمايلز عام 1859، وهذا الكتاب ساهم بشكل كبير في إدخال القيم الغربية إلى اليابان، وبسبب قبول اليابانيين للقيم الغربية أكثر من كونهم تقيدوا في تلك الفترة بتقاليدهم الخاصة فقد حاسبوه بنفس طريقة محاسبة الغرب له. وكأنهم يضمنون بمهاجمته تمام تشببهم بالغرب.

ظهور الحقيقة

توفي هوسونو بسلام أثناء نومه في 14 مارس 1939 عن عمر يناهز 68 عامًا. وظلت قصة هوسونو مصدر عار لعائلته لعقود. لم ينكر هوسونو عن ما حدث بنفسه أبدًا ولم يدافع عن نفسه طوال حياته، ولكنه لم يسترد شرفه إلا في عام 1980، عندما قام حفيد هوسونو بعد عرض فيلم تايتانيك الشهير بنشر رسالة جدة إلى جدته، والتي روى فيها الحقيقة كاملة، قبل حدوث تلك الضجة، وقال فيها ما حدث بصدق في ذلك اليوم المشؤوم.

كتب ماسابومي لزوجته:

“في ليلة 14/15 أبريل أيقظني خادم، ولكنهم منعوني من الصعود إلى سطح السفينة، وكان قد تم إطلاق قوارب النجاة بالفعل، كانوا يظنون أني راكب من الدرجة الثالثة، حاولت أن أشق طريقي للأعلى، حيث رأيت مشاعل الطواريء تطلق، كانت تطلق في الهواء بلا توقف، وومضات زرقاء بغيضة وضوضاء مرعبة في كل مكان، لم أستطيع تبديد الشعور بالرهبة المطلقة والخراب بداخلي.

وتابع:

رأيت أربعة قوارب نجاة، يتم فكها، وفكرت في احتمال موتي الوشيك، كنت أفكر فقط في أني لن أتمكن من رؤية زوجتي وأولادي، لأنه لم يكن هناك بديل لي سوى تقاسم نفس مصير تيتانيك. نظرًا لقلة القوارب الباقية، أعددتت نفسي للحظة الأخيرة، وأني سأموت.. 

يقول هوسونو جاءت فرصته عندما صرخ ضابط يحمل قوارب النجاة “مساحة لشخصين آخرين” ، وقفز رجل إلى الداخل، بعد أن استشعر هوسونو فرصة النجاة، قفز بعد ذلك. ويقول: وجدت نفسي أبحث عن فرصة ممكنة، وانتظرها من أجل البقاء.

بعد غرق السفينة ، عادت مرة أخرى صرخات مرعبة وصرخات من غرقوا في الماء. كان قارب النجاة لدينا مليئًا بالبكاء من الأطفال والنساء القلقين على سلامة أزواجهن وآبائهن. وأنا أيضًا كنت مكتئبًا وبائسًا بقدر ما كانوا ، ولم أكن أعرف ما الذي سيحدث بي على المدى الطويل.

كان هوسونو في تلك اللحظة يقوم بالتجديف بالقارب بقوة حيث لم يكن هناك أحد يستطبع التجديف به محاولًا الوصول بالقارب إلى بر النجاة.

في عام 1997 قال هارومي هوسونو، حفيد ماسابومي، أنه “مرتاح للغاية” لأن القصة الحقيقية أصبحت معروفة بشكل أفضل.

اقرأ أيضًا:

فيوليت جيسوب.. المرأة غير القابلة للغرق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!