تقاريرسلايد

ملحمة جمهورية زفتي.. عندما تعاون ضابط شرطة وزعيم عصابة في وجه المحتل

القصة من الصعود للإنهيار

كتب – أحمد المرسي

في عام 1918 وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها، وانتصر الحلفاء بقياد بريطانيا على دول المحور، وبدأ الجميع في اقتسام الغنائم. طالب المصريون باستقلالهم، بعد تضحياتهم، ورفض الإنجليز، فكانت ثورة 1919، والتي كان لزفتى فيها رأي آخر.

يقول التاريخ أن الثورة اشتغلت في كل بقاع مصر، من الإسكندرية إلى الدلتا إلى أقاسي الصعيد، قام المصريون بالمظاهرات، قطعوا خطوط التلغراف، وقصوا أشرطة السكة الحديد، ولكن زفتى تمادت إلى ذلك إلى إعلان الإستقلال!

كيف حدث ذلك؟

في 8 مارس وبعد اعتقال سعد زغلول مع أصدقاءه من الوفديين، ونفيهم إلى جزيرة سيشل، خرج المظاهرات الغاضبة، بعض أن نقضت بريطانيا حق تقرير المصير الذي كانت قد تحدثت عنه قبل الحرب. وعرف المصريون أن ذلك كان مجرد دعاية لجر الدول التي تحتلها إلى ساحات المعركة، لتشارك في حرب ليس لها فيها ناقة ولا جمل.

وبينما الأجواء تشتغل عبر مصر بالكامل كان المحامي يوسف الجندي، وابن عمه عوض الجندي اللذان يعيشان في قرية على ضفاف النيل تسمى زفتى بمديرية الغربية يخططان لشيء آخر، وليس مجرد الثورة والمظاهرات فقط، حيث كانا يخططان الإنفصال عن المملكةالمصرية وإعلان مملكة زفتي.

وإلتقى المحاميان مع الشيخ عمايم والكفرواي والفخراني ومحمد أفندي عجينة صاحب مكتبة للأدوات المكتبية ومطبعة، وسويلم. على مقهى يدعى مقهى مستوكلي بميدان بورصة القطن. وهناك بدأوا في التخطيط للضغط على السلطات البريطانية. عن طريق الاستقلال ببلدهم والخروج عن سيطرتهم.

كانت الخطة أن يتم عمل مجلس بلدي حاكم برئاسة يوسف الجندي، بينما يقوم عوض الجندي شقيقه الأكبر بالسفر إلى القاهرة من أجل إخبار الصحف باستقلال زفتي. في يوم 18 مارس.

على الفور لاقت الفكرة استحسان الكثير من هناك، حتى المجرمين، فأنضم للثوار زعيم عصابة يدعى “سبع الليل” كان يروع البلدة والقرى المجاورة. وقد رفض الثوار في البداية انضمامه لهم. ولكنه أصر على ذلك، وقال أنه يريد أن يموت وهو يقاوم الإنجليز، وإذا مات أوصاهم بأن يألفوا له الأغاني ويرددونها عن بطولته.

الهجوم على نقطة زفتي

كانت أولى الخطوات هو دخول مركز الشرطة، وكان ضابط النقطة هو حمد أفندي الذي كان رجلًا وطنيًا، ورفض أن يطلب النار على أهل بلده، ففتح لهم “السلاحليك” أو خزنة السلاح، فأخذوا ما فيه ووزعوه على بعضهم البعض بالذخيرة، وبذلك وقف رجل القانون بجوار رجل العصابات في مواجهة الإنجليز.

بدأت الجمهورية في تنظيم نفسها، فتم عمل لجنة للتموين والإمداد كان هدفها توزيع المواد الغذائية على الأهالي، ولجنة لنظافة الشوارع، ورشها بالماء، وإنارة الطرق، ولجنة الإعلام التي تولاها “محمد أفندي عجينة”، وكانت تطبع المنشورات السريعة، وقاموا بإصدار جريدة يومية أسموها “جريدة جمهورية زفتى”.

ثم لجنة الأمن والحماية، التي تولى الإشراف عليها الضابط “حمد أفندي” ومن معه من الرجال، وعلى رأسهم “سبع الليل”، فكان يحرس المدينة كل من رجال الخفر ورجال سبع الليل، وقام الجميع بحماية مداخل البلدة.

العساكر الإسترالية ومعركة البقاء

عندما علمت السلطات البريطانية بذلك، وعملت بتعاون الشرطة المصرية مع الشعب، قاموا بإرسال فرقة مسلحة من الجنود الإستراليين الموجودين في البلاد، والذين كانوا ينتظرون ترحيلهم إلى بلادهم بعد انتهاء الحرب.

تم إرسال الفرقة عبر طريق كوبري ميت غمر، وتصدى لها الأهالي، فتراجعت القوات وتمركزت في ميت غمر، في الصباح علموا أن هناك قطار قادم للبلد محمل بمئات الجنود والعتاد، فخرج سبع الليل إلى شريط القطار ليلًا مع رجاله وساروا مع طريق القطار لمدة 15 كيلو متر وقاموا بقطع السكة الحديد.

أعلنت إنجلترا خلع السير ونجت ليتم تهدئة حالة الهيجان العامة في البلاد، وعين الجنرال ألنبي بدلًا منه، كمعتمد بريطاني، فقررت إنجلترا إسقاط زفتى عن طريق النيل، حيث أرسلت عشرات المراكب محملة بالجنود الإستراليين، وقاموا بإنزال الجنود على الشاطيء.

سارع أهالي القرية بحفر الخنادق وتمترسوا خلفها في مواجهة الاسترالين في 29 مارس، ضرب الاستراليون الحصار على القرية، وهو الحصار الذي لم ينتهي سوى بالمفاوضات.

أرسلت السلطة مبعوث إلى أهالي القرية، وتم الاتفاق على تسليم القرية في مقابل أن يسلموا 20 رجلًا يتم جلدهم على مرأى من الجميع من اجل حفظ ماء وجه الدولة. واختارهم الثوار من العملاء والوشاة الذين كانوا بينهم.

وبذلك انتهت قصة استقلال جمهورية زفتى، الاستقلال الذي دام 10 أيام خلال ثورة 1919.

أما عن يوسف الجندي ورفاقه فقد هربوا بمساعدة صفية زغلول، حيث إلتجؤاوا إلى عزبة سعد باشا القريبة من قرية مسجد وصيف، وأرسلت القوات الإنجليزية رجالها في إثره، ولكنهم لم يستيطعوا أن يصلوا إليه.

ظل يوسف الجندي هاربًا، حتى تولى سعد زغلول الوزارة، وقام بالإفراج عن جميع المساجين والمطلوبين السياسيين من السلطة.

وعاد يوسف الجندي، وباشر العمل السياسي والبرلماني حتى توفى في 1941.

في عام 1998 قام التلفزيون المصري بإنتاج مسلسل تلفزيوني من بطولة ممدوح عبد العليم وعدد من النجوم، بعنوان “جمهورية زفتى” تحدث فيه عن ملحمة هؤلاء الأبطال.

 

اقرأ أيضًا:

 

مومياوات الإنكا.. حكاية ثلاثة أطفال يراقبون العالم من فوق الجبال منذ 500 سنة!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!