بث عاجلتقاريرسلايد

مأساة الطنطورة.. ما أشبه اليوم بالأمس

مذبحة الطنطورة 1948

كتب – أحمد المرسي

لم تكن قرية “الطنطورة” المسالمة الوديعة النائمة على الطرف الشرقي لشاطيء البحر المتوسط أن اسمها لن يذكر في التاريخ إلا مقرونًا باسم “مذبحة”.

بعد شهرين من مذبحة دير ياسين وكي تستكمل إسرائيل عملية التطهير العرقي التي بدأتها ولم تتوقف حتى عام 1973، كان سكان تلك القرية على وشك معايشة أسوء كابوس في حياتهم.

سياسة التهجير القصري والإبادة الجماعية

منذ بداية التنظيمات العسكرية الصهوينية في فلسطين وكانت السياسة الإسرائيلية تعتمد على التخويف، حيث كانوا يقومون ببث الرعب في القرى حتى يهجرها سكانها ويقوموا هم بالسيطرة عليها، وإحلال مستوطنين يهود بدلا من أصحابها الأصليون.

استمر هذا الوضع فترات طويلة ومستمرة عبر التاريخ الفلسطيني، وكانت هذه السياسة هي السبب في دخول الدول العربية إلى حرب 1948.

فكانت السلطة الإسرائيلية تعتمد في ذلك على الوحشية التي ترهب قلوب من يسمع عن مجازرهم. عندما يتم تناول أنباء هذه المجازر، وبالفعل حدث ذلك. وهجر العديد من القرويين الفلسطينين قراهم ومدنهم بسبب تلك البروباجندا الصهيونية.

كان أحد تلك المذابح التي ارتكبها الصهاينة في فلسطين هي مذبحة الطنطورة في ليلة 22 مايو 1948.

الطنطورة قبل المذبحة

كانت الطنطورة تقع بالقرب من حيفا، وكان عدد سكانها في آخر إحصاء 1500 وكان ذلك في عام 1945. في عصر الانتداب البريطاني.

أغلب سكان القرية كانوا من الصيادين المسالمين، وأسرهم الفقيرة. وكانت البيوت متواضعة متلاصقة بجوار بعضها البعض أمام البحر الأبيض المتوسط.

ولم يكن أهل القرية يدركون أن جيش الدفاع الإسرائيلي يبيت النية من أجل إبادتهم، بل أنهم قد سربوا بالفعل للصحف حديث يقول أن القرية على البحر وهو ما قد يسهل وصول الأسلحة إليها من الخارج.

ليلة المذبحة

في ليل 22 مايو 1948 فوجئت سكان القرية بالقصف ينهال عليهم من البحر، استمر ذلك طويلًا، بصواريخ من المراكب. ثم بمداهمة على يد مرتزقة الكتيبة 33 من “لواء الإسكندروني” أحد العصابات التابعة للجيش الإسرائيلي، وذلك بعد أسبوع واحد فقط من إعلان قيام الدولة الإسرائيلية على أرض فلسطين.

أطلق الجنود النار على كل ما رأوه في المدينة، ويحكي مرتزق من الفرقة في فيلم وثائقي بعنوان “الطنطورة” بعد ذلك أنه كان يفتح قاذفات النار ليحرق من أمامه من الناس، ويتركهم يعانون أهوال الموت حرقًا.

بعد سيطرة العصابة على المدينة، جمعوا أهل القرية بالكامل، رجالاً ونساءًا، ثم جمعوا النساء والأطفال في مجموعة، وأخذوا الرجال في مجموعة أخرى. كل ستة إلى عشرة أشخاص في مجموعة أخرى. وعندما نقول الرجال فهذا يعني أي طفل أكبر من 9 سنوات. ثم أجبروهم على حفر مقابرهم. وبدأ إطلاق النار عليهم.

في فيلم الطنطورة الوثائقي يسأل المذيع أحد العساكر: كم قتلت؟ يضحك الجندي السابق، ثم يقول: لم أعد، كان معي رشاش به 250 رصاصة، وقد أطلقتهم جميعًا!

قتل جيمع الرجال في القرية، وتم دفنهم في مقابر جماعية، ثم جعلوا الأولاد الصغار يحملون أجساد الرجال ويلقونهم في تلك المقابر ويسونها.

يقول رجل فلسطيني: كنت طفلًا وكنت أحمل جثة رجل، مع صديقي، ثم نظر لي صديقي باندهاش وقال هذا أبي! إنه لا يزال حيًا، فقلت له إرمه في الحفرة!

لم يكن أمامهم أي شيء غير تنفيذ الأوامر.

امتدت المذبحة إلى قرية زخرون يعقوب. وتم إحصاء أكثر من 250 جثة في تلك الليلة. بعد ذلك تم ترحيل جميع النساء والأطفال، بعد تفتيشهم ومصادرة كل ما كانوا يملكون.

في الطريق كان يتم أسر بعض الرجال، من سن السابعة عشر وحتى الستين، كان يتم أخذهم إلى المعتقل، ثم تم تصفيتهم داخل السجون قبل تسجيلهم من قبل الصليب الأحمر.

بعد المذبحة

يقول محمد أبو حنا من مخيم اليرموك وهو من مواليد 1936:

“عند حلول الصباح، كان إطلاق النار قد توقف، والمهاجمون جمعوا الجميع على الشاطئ. وقسموهم، النساء والأطفال على جهة والرجال على جهة أخرى. على الشاطئ، قام الجنود بقيادة الرجال بعيدا مجموعة تلو الأخرى، وكان بالإمكان سماع إطلاق الرصاص في كل مرة. عند حلول الظهيرة، تم قيادتنا مشيا إلى بستان شرق القرية، ورأيت الجثث مكدسة على عربيات يقودها رجال الطنطورة والذين افرغوها في حفرة كبيرة. ثم وصلت الشاحنات، وشحن عليها النساء والأطفال وتم قيادتها إلى الفريديس. على الطريق، بالقرب من سكك حديد القطار، كان هنالك جثث أخرى مبعثرة هناك”.

تم تهجير جميع النساء والأطفاء إلى قرية الفريديس، وعلى أنقاض الطنطورة تم بناء مستوطنة يهدوية هي مستعمرة “نحشوليم”، ثم في عام 1949 أقيمت مستعمرة أخرى هي “موشاف دور”.

أما نساء الطنطورة وبقية العائلات فقد تشردوا في سوريا والأردن والعراق، ولكن أغلبهم كانوا لاجئين في سوريا. وموزعون بين مخيم اليرموك، ومنطقة القابون في دمشق.

أما موقع الدفن الجماعي فيحل محله اليوم موقف للسيارات خلف الشاطيء. والذي يدعى الآن شاطيء دور بالقرب من كيبوتس ناحشوليم.

موقع الدفن الجماعي أسفل موقف السيارات في الصورة
موقع الدفن الجماعي أسفل موقف السيارات في الصورة

كانت الطنطورة واحدة من 80 مذبحة ارتكبتها العصابات الصهيونرية في حق الشعب الفلسطيني.

أقرأ أيضًا: 

الدودة الشريطية.. ماذا يعنى أن تكون جميلًا في القرن التاسع عشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!