بث عاجل

قطار الموتى.. سكة حديد لندن نيكروبوليس المرعبة

والنهاية المؤسفة له

كتب – أحمد المرسي

 

مع إزدياد عدد سكان المدن، يصبح هناك حاجة إلى توفير مساحات لبناء المنازل والشركات والمدارس ودور العبادة، ولكن في العادة يتم تجاهل أمر واحد هي المساحات المخصصة لدفن الموتى.

فإذا كانت المساحة محدودة وهناك جثث أكثر من المساحة لدفنها، فأين تذهب الجثث؟

كان هناك أزمة واجهتها لندن – العاصمة البريطانية – في القرن التاسع عشر، تحولت إلى أزمة صحية كبيرة، بسبب عدم توافر أماكن كافية لمدافن المدينة، وهنا اقترح رجلان فكرة فريدة من نوعها، وهي بناء خط سكة حديد للموتى، تنقلهم إلى خارج المدينة حيث من الممكن دفنهم.

نمت تلك الفمرة لتصبح بعد ذلك  سكة حديد لندن نيكروبوليس. وعملت خدمة للموتى لمدة 87 عاما.

أزمة الدفن في لندن

قبل بداية القرن التاسع عشر، كانت لندن تدفن موتاها في الكنائس المحلية وحولها، لم يكن هناك سوى مساحة صغيرة جدًا، وكان يتم استخراج الجثث من أقدم القبور بانتظام لإنشاء لإفساح أماكن جديدة لجثث أخرى.

كانت الأزمة بسبب طفرة سكانية كبيرة، حيث وصل عدد سكان المدينة الذي كان أقل من مليون شخص في عام 1801،  إلى 2.5 مليون بحلول عام 1851. وبينما زاد عدد السكان، ظلت المساحة المخصصة للمقابر كما هي.

كان هناك، في المجمل، حوالي 300 فدان مخصصة على 200 موقع صغير مخصصة لدفن الموتى، ولكن تسببت الجثث المتحللة إلى تلويث المياة، مما تسبب في تفشي الأوبئة بشكل منتظم مثل الجدري والحصبة وحمى التيفوئيد والكوليرا.

تم الوصول إلى ذروة الأزمة عندما ضرب وباء الكوليرا 1848-1849 المدينة، توفي 14 ألف شخص، ولم يكن هناك مكان لدفن الجثث الجديدة، ووصل الأمر إلى أن يكون هناك أكوام كبيرة من الجثث في انتظار الدفن. وكان حفر قبر جديد بدون الاصطدام بقبر قديم مستحيلًا، وتحولت الجثث المتكومة لأزمة صحية.

وفي هذا الوقت من التاريخ، كان انتشار الأمراض يدور حول نظرية المياسما.

نظرية الوبالة

كانت نظرية الوبالة أو المياسما هي الاعتقاد بأن الروائح الكريهة تسبب المرض، وأن أكوام الجثث المتعفنة لها رائحة كريهة، وهذا أمر غير صحي، وستتحول لندن بذلك إلى بؤرة وباء بسبب تلك الروائح الكريهة.

سكة حديد لندن نيكروبوليس

اقترح السير ريتشارد برون، وهو رجل شارك في مخططات خيالية طوال حياته، والمحامي ريتشارد سباير استخدام وسائل النقل الحدية (القطارات البخارية في ذلك الوقت)، من أجل حل تلك الأزمة. وخططوا لشراء قطعة أرض ضخمة بالقرب من لندن. حتى تستوعب عدد الجثث الكبير، وتم الاتفاق على إنشاء قطار توابيت يحمل ما بين 50 إلى 60 جثة في المرة الرحلة الواحدة من لندن إلى المقبرة في منطقة بروكوود في الصباح الباكر وفي وقت متأخر من الليل. وعندما تصل التوابيت إلى بروكوود سيتم تخزينها في الموقع حتى الجنازة، ومن ثم يتم نقل المعزين من وإلى المقبرة عبر قطار ركاب خلال النهار.

ووفقًا لحسابات برون كان من الممكن أن يستوعب المدفن 500 ألف جثة في العام الواحد.

تم تقسيم المقابر إلى محطتين المحطة الأولى للانجليكانيين والمحطة الثانية لغير الإنجليكانيين (غير الملتزمين) الذين لم يرغبوا في إقامة جنازة في كنيسة إنجلترا.

وتم فصل القطار على حسب  الدين والطبقة الاجتماعية “لمنع المشيعين والجثث من خلفيات اجتماعية مختلفة من الاختلاط”.

على الرغم من أن بروكوود كانت بعيدة جدًا عن لندن، إلا أن سرعة القطار – مقابل سرعة عربة تجرها الخيول- جعلت الأمر أسهل وأقل تكلفة من السفر، وعمل النظام بسلاسة وكما هو مخطط له، حيث لم ترفع سكة حديد لندن نيكروبوليس أسعارها مطلقًا خلال أول 85 عامًا من تشغيلها البالغ 87 عامًا.

تم تحصيل 6 شلن لمقعد الدرجة الأولى من الركاب الأحياء، و3 شلن و6 بنسات لمقعد الدرجة الثانية، و2 شلن لمقعد الدرجة الثالثة.

وقد يظن أحدهم أن تقسيم الدرجات كان فقط في عبرات الأحياء ولكن هذا التقسيم الاقتصادي كان في عربات المتوفين، وكانت الأجرة جنيهًا واحدًا للدرجة الأولى، و5 شلن للدرجة الثانية، و2 شلن و6 بنسات للدرجة الثالثة. واليوم، تعادل هذه الأجرة حوالي 100 جنيه إسترليني، و25 و 12.

مع تنفيذ المشاريع الهندسية بعد ذلك مثل الصرف الصحي والسكك الحديدية الجديدة، تم نقل ما يقرب من 7950 جثة إلى بروكوود.

الأشباح الليلية

بعد تشغيل سكة حديد الموتى أصبح العاملين في القطار خاصة خلال الليل يرون أشباح تهاجمهم داخل المركبات، وتسبب ذلك في حالة كبيرة من الرعب وسط العاملين والمتنقلين.

وعلى الرغم من ذلك ظلت السكة الحديد عاملة حتى كانت النهاية في ليلة 16 أبريل 1941.

الحرب العالمية الثانية

خلال الحرب العالمية الثانية، أصبحت المحطة المركزية لسكة حديد لندن نيكروبوليس في واترلو والجسور القريبة من نهر التايمز هدفًا رئيسيًا خلال الهجوم الألماني، وفي ليلة 16 أبريل 1941 وفي الصباح الباكر، ضربت إحدى الغارات الجوية الكبرى الأخيرة في لندن منطقة واترلو.

وفقًا للتقارير، “احترقت المعدات الخاصة بالسكة الحديدية،  وتم إغلاق محطة واترلو رسميًا في 11 مايو 1941.

في سبتمبر من عام 1945، اجتمع مديرو شركة London Necropolis ليقرروا ما إذا كانوا سيعيدون بناء محطة واترلو واستئناف التشغيل ثانية. ومع ذلك، نظرًا لعدم استخدامها منذ تدميرها في عام 1941، كانت الأرض في حالة سيئة للغاية بحيث لا يمكن إنفاق الأموال على إعادة بناء الخط من جديد وانتهت إلى الأبد سكة حديد الموتى.

أصبح حرق الجثث أكثر شعبية في إنجلترا بعد ذلك، وتراجع الطلب على الجنازات والدفن؛ قبل الحرب العالمية الثانية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!