تقاريرسلايد

لماذا امتنع إرسال كسوة الكعبة من مصر

سر حادثة المحمل 1926

كتب – أحمد المرسي

يعرض حاليًا وخلال الموسم الرمضاني مسلسل الإمام، من بطولة الفنان خالد النبوي، ويقص المسلسل قصة حياة الإمام محمد بن إدريس الشافعي في مصر. وما مر به خلال تواجده في البلد التي كانت رأس مذهبه بعد ذلك.

ويظهر الإمام وهو يزور جزيرة تنيس ويرى في أحد الخيام ليرى بعض العاملات يصنعن كسوة الكعبة الشريفة، ليقول له ابن الحكم: “ألا تعلم يا إمام أن الكسوة تصنع في مصر لجودة القماش المصري”، ويقول الشافعي: “مصر أرض الخير تصنع لنا الكسوة لترسلها لنا في الحجاز”. واستطرد: “اللهم احفظ مصر وأهلها، وأجعل أمة الإسلام في رباط إلى يوم الدين”.

ولمصر وكسوة الكعبة تاريخ طويل يمتد بامتداد التاريخ الإسلامي.

 

الكسوة في العصر العباسي

بدأت مصر في إرسال الكسوة إلى الحجاز في عصر الدولة العباسية. وكان الأمويون يصنعونها في الشام. ثم يرسلونها إلى هناك. ولكن مع سقوط الدولة الأموية وبزوغ العباسيين. تحولت دار صناعة كسوة الكعبة إلى مصر. وتحديدًا إلى مدينة “تنيس” التي اشتهرت الأقمشة الثمينة، وكانت تصنع من الحرير الأسود. ويتم تطريزها في قرية “شطا” في دمياط.

وقبل العصر العباسي كان يتم كساء الكعبة بأكثر من طبقة. ولكن عندما زار الخليفة “المهدي” مكة. قال له السدنة أن الكسا كثرت على الكعبة. والبناء ضعيف. ويخشى أن يتهدم. فأمر أن يسدل عليها كسوة واحدة فقط. وهو ما يحدث إلى الآن.

ألوان كسوة الكعبة:

قد يعتقد البعض أن كسوة الكعبة كانت بذلك اللون منذ بداية التاريخ. ولكن الحقيقة أن اللون الأسود لم يتم إقراره إلا في عصر الناصر العباسي. حيث كان كساءها في البداية يتغير بين عدة ألوان منها الأبيض. ثم في عصر جعفر المتوكل كساها بالديباج الأحمر. وعندما جاء الناصر كساها بكساء أخضر. ثم أسود. وهو المتبع إلى اليوم.

وكان الخلفاء يكتبون أسمائهم فوق الكسوات، ويكتبون كذلك الجهة التي صنعت فيها هذه الكسوة، وتاريخها.

المماليك المصريون وإرث الكسوة:

كانت كسوة الكعبة بالنسبة للماليك شرف كبير. ولا يجب أن ينازعهم عليها منازع. وكانت أحد صور شرعيتهم في الحكم. وحدث في عام 751هـ أن ملك اليمن “المجاهد” أراد أن يكسو الكعبة من اليمن. فلما علم بذلك المماليك. فتم أسره، وإرساله مصفدًا بالأغلال إلى القاهرة.

وقد كان هناك محاولات لنيل ذلك الشرف من العراق وفارس. ولكن سلاطين المماليك ضربوا بيد من حديد على يد من يحاول أن ينال ذلك الشرف. للدرجة التي جعل فيها الملك الصالح إسماعيل وقفًا  هما قريتين في القليبوبية – بيسوس وأبو الغيث – حيث ينفق من خراجهما على الكسوة، وهو ما يقدر بـ 8900 درهم. وكانت هناك منشآت خاصة بمصر داخل الأراضي الحجازية. وكانت قافلة الحج المصرية التي تحمل الكسوة تحمل معها المساعدات الخيرية لفقراء مكة والمدينة. وكانت توضع في مبنى بجوار الحرم. حيث كانت تدخل القافلة من الباب المسمى السلام، فتستقبل بالزغاريد من العرب. وينطلق أهل مكة لاستقبال الركب. بينما يوزع العساكر السكر الخام والنبات، والشربات، والحلاوة والملبس والشموع. ويتم وضع الكسوة في مدرسة قايبتاي بالقرب من الحرم.

استمرت الكسوة في العصر العثماني كذلك وحتى عصر محمد علي. حتى بدأ الاصطدام بالدولة الوهابية التي بدأت في الظهور في الحجاز.

حادثة المحمل 1926

 

في عام 1807 ومع بداية ظهور الحركة الوهابية. وشيوع آراء محمد بن عبد الوهاب داخل الأراضي الحجازية. هدد السعوديين القافلة المصرية. بسبب الاحتفالات التي كانت تقام للقافلة لدى وصولها إلى مكة. ولكن بعد تمكن الوهابية من السيطرة على الحجاز. ارسل محمد علي ابنه ابراهيم باشا فقضى على الدولة السعودية الأولى. ودمر الدرعية. وأعاد إرسال الكسوة من جديد.

وقد أسس لها دار لصناعة الكسوة في حي الخرنفش. وظل ذلك حتى آخر عهد ارسال الكسوة من مصر للحجاز. ولكن بمجرد أن استت الأمر للملك عبد العزيز آل سعود بدأت العلاقة بينه وبين مصر تسوء وتتوتر. فتم العمل على إعاقة وصول المحمل من مصر. وحدث ما يسمى حادثة المحمل في عام 1926.

حيث كان اللواء محمود عزمي باشا أمير الحج على رأس القافلة المصرية. عندما فوجيء بعدد من البدو يهجمون على المحمل، وذكر الآتي في برقية:

“اعتدى جمع من البدو مساء أول أمس‏ ــ ‏أي مساء‏ 21‏ الجاري وهو يوم العيد‏ ــ‏ على ركب المحمل برمي الأحجار والرصاص بجوار‏ (“منى‏”‏ وقد رددت على الاعتداء بإطلاق بعض طلقات من المدافع والبنادق تسبب منها بعض الخسائر في أرواح المعتدين بعد ما ذهبت مساعي ابن سعود سدى، وجرح الضابط علي أفندي موسى وثلاثة من العساكر جروحا بسيطة من رمي الأحجار وقتل بعض الجمال من الرصاص‏. وقد تبادلنا رسائل رسمية مع ابن سعود نرجو تبليغ وزارة الحربية بما يخصها‏”. 

وبرر بن سعود ما حدث عن طريق وكالة نجد والحجاز بالقاهرة بأن النجديين يستنكرون استخدام الأبواق وأن الأمير فيصل طالب عزمب باشا بعدم استعمالها، لأنها من مزامير الشيطان، ولم يستجب الباشا له، فقاموا بالهجوم عليها. وهم يصيحون: “وهم يصيحون يا مشركين يا كفرة يا عباد العود‏!”.

وسخرت الصحف المصرية من ما حدث. حيث أن الأبواق كانت تخص حرس المحمل. وهي أصوات عكسرية “نفير حرب”. مباح. وليس من المعازف أو للطرب واللهو.

والحقيقة أن ما حدث أن أشراف مكة كانوا يحصلون على معونات من الحكومة المصرية تأتي مع المحمل. وفي ذلك الوقت وخلال الصراعات السياسية والقبيلة في الحجاز كان أشراف مكة أعداء لعبد العزيز آل سعود.

تدهورت بعد ذلك العلاقة بين مصر والسعودية، ولم يعد المحمل يدخل إلى أرض الحجاز، وتوقفت مصر في عهد جمال عبد الناصر وتحديدًا عام 1962 عن صناعة المحمل. ولازالت آخر كسوة للكعبة معروضة إلى الآن في دار الخرنفش بباب الشعرية بالقاهرة.

 

اقرأ أيضًا:

عزبة البرج.. تاريخ مصر الطويل كما يرويه الصيادون

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!