تقاريرسلايد

حقيقة العهدة النبوية لرهبان دير سانت كاترين

بخط علي بن أبي طالب أم منحولة؟

كتب – أحمد المرسي

 

يقع دير سانت كاترين بالقرب من جبل الطور، في منطقة مقدسة، عند سفح جبل سيناء، أسفل جبل كاترين، أعلى جبال مصر، ويقال أنه أقدم دير في العالم بأسره، وهو أشهر المزارات السياحية.

عاش الرهبان في ذلك الدير مئات السنين، وفي الغالب كانوا من الأعاجم الإغريق، فالدين يتبع الكنسية الأرثوذكسية الشرقية. ويقع على طريق – كان في ذلك الوقت – طريقًا خطرًا. وتعرض على طوال تاريخه لهجمات البدو وقطاع الطرق في تلك المنطقة. وهذا يجعلنا نتساءل كيف أمن الدير نفسه كل تلك الفترة؟

الحقيقة أن السر يكمن في العهدة النبوية، وهي وثيقة يقول الرهبان أن الرسول محمد قد أعطاها لهم يؤمنهم على أنفسهم فيها وعلى ذلك الدير. وصك أمان في وجه كل الحكام المسلمين الذين سيحكمون تلك البلاد من بعده. ولكن ما حقيقة تلك العهدة؟

طوال التاريخ انقسمت الآراء بين مؤيد وبين معارض لصحتها، وفي هذا المقال نتناول ذلك بالتحليل.

رواية الرهبان؟

تقول الرواية الرئيسية والتي يتوارثها الرهبان جيلًا بعد جيل أن الرسول محمد قد جاء إلى دير سانت كاترين، وأنه زار الأماكن المقدسة، وأعطاهم ذلك العهد. ويقولون أن من كتب العهد كان علي بن أبي طالب في مسجد النبي.

وينص العهد على:

“بسم الله الرحمن الرحيم

هذا كتاب كتبه محمد بن عبد الله إلى كافة الناس أجمعين بشيراً ونذيراً ومؤتمناً على وديعة الله في خلقه لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً،كتبه لأهل ملته ولجميع من ينتحل دين النصرانية من مشارق الأرض ومغاربها قريبها وبعيدها، فصيحها وعجميها، معروفها ومجهولها، كتاباً جعله لهم عهداً فمن نكث العهد الذي فيه وخالفه إلى غيره وتعدى ما أمره كان لعهد الله ناكثاً ولميثاقه ناقضاً وبدينه مستهزئاً وللّعنة مستوجباً سلطاناً كان أو غيره من المسلمين المؤمنين.

لا يغير أسقف من أسقفيته ولا راهب من رهبانيته ولا حبيس من صومعته ولا سايح من سياحته ولا يهدم بيت من بيوت كنائسهم وبيعهم، ولا يدخل شئ من بناء كنايسهم في بناء مسجد، ولا في منازل المسلمين. فمن فعل شئ من ذلك فقد نكث عهد الله وخالف رسوله ولا يحمل على الرهبان والأساقفة ولا من يتعبد جزيةً ولا غرامة وأنا أحفظ ذمتهم أين ما كانوا من بر أو بحر في المشرق والمغرب والشمال والجنوب وهم في ذمتي وميثاقي وأماني من كل مكروه”.

وقد وقع على تلك الوثيقة عدد من الصحابة منهم : أبو بكر بن أبي قحافة، عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، علي بن أبي طالب، عبد الله بن مسعود، العباس بن عبد المطلب، والزبير بن العوام.

ويقول الرهبان أن السلطان سليم الأول عندما جاء لمصر، أخذ منهم النسخة الأصلية لتلك العهدة النبوية باعتبارها من آثار النبي، ولكنه أعطاهم نسخة منسوخة. ويوجد في الدير إلى الآن أكثر من نسخة بعضها مكتوب على رق غزال، وكل صورة تختلف عن الأخرى قليلًا، وفي كل منها أخطاء تدل على أن النساخ الذين نسخوها لم يكونوا عربًا ولكن أعاجم، أو عرب يجهلون اللغة العربية. وتعود أقد عهدة منسوخة لديهم لتاريخ 1561، أي لعهد السلطان سليمان القانوني.

اتهامات بالتزوير

كانت أولى الاتهامات بالتزوير قد بدأت في نهاية القرن التاسع عشر، وكانت الاتهامات قائمة على عدد من القرائن والدلائل، كان أولها أن العهدة مكتوب أنها في السنة الثانية من الهجرة، وفي الوقت نفسه قد وقع عليها أبو الدردراء وأبو هريرة، وهذان الرجلان لم يكونا قد دخلا الإسلام بعد، ويصعب أن يقوموا بتوقيع تلك الوثيقة.

النقطة الثانية أنه لم يرد في أي من كتب المؤرخين العرب القدامى ذكر لتلك العهدة التي منحها الرسول بنفسه إلى رهبان دير سانت كاترين.

بالإضافة إلى ورود عدد من الألفاظ غير المستخدمة في زمن الرسول أوالشائعة في عصره بين العرب، وذلك يدل على أنها كتبت بعده بسنوات.

كذلك ما ورد في العهدة ليس مخصصًا في شيء. ولكنه كلام عام وعهد أمان للمسيحين في جميع الأرض. لا يختص به رهبان دير سانت كاترين.

وتقول العديد من الآراء التاريخية أنه من الصعب أن يتم التيقن من حقيقة تلك العهدة، ومن الممكن أن الرهبان القدامى في الدير قد قاموا بتأليفها في بدايات العهد الإسلامي من أجل أن تحميهم من الجيوش والقبائل العربية المتدفقة عبر المنطقة، مخافة أن يتم الاضطرار بهم.

رد الرهبان

ويستنكر الرهبان الاتهامات بأن العهدة منحولة على النبي أو إنها غير حقيقية، حيث يقولون أنه إذا كانت العهدة غير حقيقية فكيف عمل بها عشرات السلاطين والحكام، دون التعرض للمساءلة، وكيف لم يعرفوا ذلك وحقيقته.

أما عن أن اسماء الصحابة، فيقولون أن العهدة قد تم نسخها أكثر من مرة، والنسخة الموجودة معهم للآن هي نسخة غير أصلية، وقد قام بنسخ تلك النسخ عشرات من النساخين غير العرب، من العجم سواء من الروم أو الأتراك، وربما قام النساخون بالخطأ فاستبدلوا الثامنة بدلا من الثانية، خاصة أن السنة الثامنة هي الموافقة لبدء إرسال الرسول الرسائل إلى أهل الأرض والكنائس المجاورة، لمسيحي أيلة وفاران وغيرهم.

أما عن عدم ورود العهدة في بعض كتب المؤرخين، فذلك من الممكن أن يحدث، ويمكن أنهم اسقطوها لعدم اعتبارها ذات أهمية. وليس دليلًا أنهم لم يوردوها فيما كتبوا أنها ليست حقيقية.

ويقول المؤدين لصحة الوثيقة من خبراء الآثار، أن الرسول قد أرسل إلى المقوقس رسالة مع حاطب بن أبي بلتعه كمبعوث، ولا مناص من أن يمر هذا المبعوث على دير سانت كاترين في طريقه إلى مصر، ومن الممكن أن الرهبان قد أرسلوا معه وفدًا للمدينة أثناء عودته يطلبون الأمان، حيث تسقط العهدة عن رهبان الدير الجزية، وتؤمنهم على أرواحهم وما يملكون.

اقرأ أيضًا: 

من بينهم فاطمة بنت الرسول.. تعرف على البكائين الخمسة في التاريخ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!