تقاريرسلايد

مومياوات الإنكا.. حكاية ثلاثة أطفال يراقبون العالم من فوق الجبال منذ 500 سنة!

"لا يجب عرض موتانا في المتحف كأنهم في سيرك"

كتب- أحمد المرسي

في عام 1999 كان عالم الإنثروبولجيا “يوهان راينهارد” وفريقه من الباحثين يصعدون جبال الإنديز العالية من أجل دراسة سطحه وبحثًا عن شيء ذا قيمة يعود لحضارة الإنكا القديمة، بسبب ارتباط الجبل بهذا الشعب العريق.

بعد شهر شاق عثر فريق راينهارد على ثلاثة اطفال محنطين في الثلج، فتاتين وصبي، وعدد من التماثيل الذهبية والصدفية والكثير من المنسوجات الثمينة.

ولم يكن “راينهارد” يعلم حتى ذلك الوقت أنه وفريقه اكتشفوا واحد من أهم الاكتشافات التايخية، وثلاثة من أفضل المومياوات المحفوظة في العالم!

من هم الإنكا؟

كانت إمبراطورية الإنكا في أمريكا اللاتينية واحدة من أكبر الإمبراطوريات، وربما كانت أكبر إمبراطورية في العالم خلال أوائل القرن السادس عشر، ونشأت الإمبراطورية في المنطقة المحيطة بمدينة “كوسكو”، في أعالي جبال الأنديز في “بيرو” الحديثة بالقرن الثالث عشر.

لم تتوسع حضارة الإنكا جغرافيًا حتى منتصف القرن الخامس عشر، ومع ذلك بدءًا من حكم الإمبراطور “باتشاكوتي” في عام 1438، اجتاحت الإنكا جميع أنحاء أمريكا الجنوبية على طول جبال الأنديز، وقهرت بقية الشعوب المحلية وأنشأت إمبراطورية برية ضخمة في غضون أقل من قرن واحد.

وصلت إمبراطورية الإنكا إلى أقصى امتداد جغرافي لها حوالي عام 1530 ، ثم بدأت في الانحدار السريع الذي بلغ ذروته بسقوط “كوسكو” العاصمة عام 1533، عندما غزا الإسبان القارة. فتم القبض على الإمبراطور “أتاوالبا” وزوجته، وحكم عليه الإسبان بالموت حرقًا وهي عقوبة الكافر ولكن الملك الوثني أعلن نفسه مسيحيًا ليهرب من تلك العقوبة المرعبة، فتعمد على يد الكهنة الذين رافقوا حملة الإسبان العسكرية، فحكم عليه بالموت خنقًا، وأحرقت جثته بعدها.

التضحية بالأطفال

كانت التضحية بالأطفال أحد أهم الطقوس الخاصة بحضارة الإنكا، والتي تسمى “كابوشا”، وكانت جزء مهم من دينهم المحلي، واستخدمت تلك التضحية كطريقة لإحياء ذكرى الأحداث المهمة، كما كانت تستخدم كقربان للآلهة في أوقات المجاعة وكطريقة لطلب الحماية.

تضحية الإنكا كانت تحدث بموافقة مباشرة من الإمبراطور، ويتم اختيار  الأطفال من جميع أنحاء الإمبراطورية المترامية الأطراف والشرط الأساسي وفي المقام الأول يتم الاختيار على أساس “الكمال الجسدي”.

كان الأطفال الذين تم اختيارهم للتضحية عمومًا أبناء وبنات النبلاء والحكام المحليين، ثم يتم نقلهم مئات أو آلاف الأميال إلى العاصمة “كوسكو”، حيث كانت مقرًا لطقوس تنقية مهمة، ومن هناك يتم إرسال الأطفال إلى قمم الجبال العالية في جميع أنحاء الإمبراطورية للتضحية بهم.

ووفقًا لمعتقدات الإنكا فإن الأطفال الذين يتم التضحية بهم لا يموتون حقًا ولكن بدلاً من ذلك يراقبون الأرض من أعالي قمم الجبال، جنبًا إلى جنب مع أسلافهم، وقد اعتبرت الإنكا أنه لشرف عظيم أن يموت الإنسان كأضحية!.

العثور على المومياوات

تم العثور على المومياوات في منطقة تدعى “لولايلاكو” وهي بركان قديم بارتفاع 6739 مترًا، يقع في جبال الأنديز على الحدود الحديثة التي تفصل بين تشيلي والأرجنتين. وكان موقع الدفن مغطى بخمسة أقدام من التراب والصخور وقت الاكتشاف. ووصف الموقع الذي عثر فيه على المومياوات بأنه “أعلى موقع أثري في العالم”.

وتقع ولايلاكو في صحراء أتاكاما، وهي أكثر صحراء غير قطبية جفافاً على وجه الأرض. واعتبر الجفاف الشديد للهواء سببًا رئيسيًا في الحفاظ الممتاز على المومياوات لمدة 500 عام. من المعروف أن كل من الجفاف ودرجات الحرارة المنخفضة يقللان بشكل كبير من معدل تحلل الرفات البشرية، وبالتالي فإن الظروف البيئية القاسية في قمة “لولايلاكو” مواتية جدًا للحفظ.

اخترق “راينهارد” وفريقه الصحراء، وصعدوا فوق الجبال، وقد اقتربت الحملة من الفشل بعد قضاء شهر كامل في استكشاف جبل منخفض الارتفاع قريب، ثم قرروا الانتقال إلى الجبل المنشود، وخلال هذه الرحلة، تحدى الباحثون رياحًا شديدة بلغت سرعتها أكثر من 70 ميلًا في الساعة بينما وصلت درجات الحرارة إلى – 40 درجة مئوية.

وفي معسكرهم الذي أقاموه فوق الجبل على ارتفاع 6600 متر، هبت عاصفة استمرت 4 أيام، وكان الفريق على وشك الاستسلام، عندما اكنشفوا طبقة اصطناعية من الأرض كانت تقول أن عليهم مواصلة البحث. وتتبع الباحثون تلك الطبقة إلى أن وصلوا إلى مكان الدفن.

حالة مومياوات الإنكا

عندما عثر العلماء على المومياوات كانوا ثلاثة، وقد تم تسميتهم فيما بعد بعدة ألقاء وهم “البكر” و”الفتاة الصاعقة” والصبي “إل نينو”. واتضح للباحثين أنهم دفنوا في قبر صغير محفور بطول 1.5 متر، وبمجرد وصولهم إلى قمة الجبل، وأنه تم إطعامهم أغذية بها الكثير من البروتين قبل التضحية بهم.

كانت المومياوات في حالة استثنائية عند العثور عليها. وقال رينهارد إن المومياوات “تبدو أفضل مومياوات الإنكا المحفوظة على الإطلاق”، حيث احتفظت المومياوات بمكوناتها الفسيولوجية الرئيسية، فالشعر موجود بالكامل، والأعضاء الداخلية سليمة، والقلب لازال يحتوي على الدم متجمد بداخلها!

لادونسيلا

أطلق هذ االاسم على أحد المومياوات، وهي بعمر 15 عامًا، وأصبحت معروفة باسم “العذراء” أو “البكر”، وكانت ترتدي فستانًا، وشعرها مضفر بإتقان، وجانب رأسها مزين بالريش، وقد ماتت أثناء نومها. واكتشف بالفحص، أن “لادونسيلا” كانت تعاني من بكتيريا في رئتيها.

يعتقد أن “لادونسيلا” كانت عذراء، وتم اختيارها وتقديسها لتلك المهمة منذ كانت بسن 10 سنوات، وتم أخذها من أسرتها لتعيش مع فتيات ونساء أخريات سيصبحن زوجات وكاهنات وأضاحي.

تظهر لادونسيلا العذراء وكأنها خجولة، تأنف من أن يلمسها العلماء أثناء فحصها.

لا نينيا ديل رايو

كانت “لانينا ديل رايو” هي المومياء الثانية وكانت تبلغ من العمر 6 سنوات فقط عندما تم التضحية بها، وتضرر وجهها وأحد وجزء من كتفها من جراء الصاعقة التي حدثت بعد وفاتها. ولذلك سميت “فتاة الصاعقة”.

وكانت الطفلة ترتدي ثوبًا قديمًا لونه بني فاتح، وكان رأسها وجزء من جسدها ملفوفًا في بطانية صوفية سميكة، وفوقها بطانية أخرى مطرزة باللونين الأحمر والأصفر.

إل نينو

كان إل نينو هو الصبي الوحيد مع المومياوات وكان يبلغ من العمر 4 أو 5 سنوات عندما تم التضحية به، ويبدو أنه مات تحت الضغط وبطريقة عنيفة، حيث تم لفه بإحكام، وبالكشف اكتشف أن لديه خلع ببعض أضلاعه وكذلك حوضه من مكانه،. وعندما تم العثور كان هناك الكثير من القيء والدماء على ملابسه، كما ظهر أن هناك غزوًا للقمل في شعره. وكان الطفل الوحيد الذي تم تقييده. من بين المومياوات وعندما عثر عليه العلماء وجدوه مستلقيًا في وضع الجنين، ويرتدي سترة رمادية وسوار من الفضة وحذاء جلدي، وملفوف ببطانية حمراء وبنية، وبسبب الطريقة التي قيد بها يعتقد أنه مات بسبب الاختناق!

تم دفن إل نينيو مع مجموعة من الأشياء الصغيرة، بعضها يصور رجالًا يرتدون ملابس أنيقة يقودون قوافل من اللاما. ولف رأسه بحبال صوفية.

يظهر إل نينو وكأنه خائف ممن يقومون بفحصه ويحاول أن يخفي وجهه من كل هؤلاء الذين يحيطون به من زمن آخر! 

التحليل العلمي

وفقًا لتحليل كيميائي حيوي لشعر العذراء. فقد تم تخديرها عن طريق أوراق الكوكا وبيرة الذرة المعرفة محليًا باسم شيشا قبل الطلوع بها للجبل. وعلى الرغم من المومياوات كلها قد أظهرت ذلك إلا أنه من الواضح أن العذراء قد استهلكت كميات أكبر من هذه المواد قبل الطقوس. حيث احتوى شعرها على أعلى نسبة من الكوكا وبالأشعة وجد أن بقايا لأوراقها كانت موجودة بين أضراسها. وتعتبر الكوكا هي نبات طبيعي يستخرج منه مادة “الكوكاين” المخدرة. وكان الإنكا يأكلونها.

العرض في متحف

لا تزال المومياوات معروضة في متحف مخصص بالكامل لعرض المومياوات بالأرجنتين. في مدينة “سالتا”، والتي كانت جزء من إمبراطورية الإنكا في أواخر القرن 15 و16 قبل أن يغزوها الإسبان. ويتم الحفاظ عليها بواسطة التكنولوجيا الحديثة. وقد فتح المتحف أبوابه للجمهور في 2007.

وقد أثار عرض المومياوات غضب الكثير من السكان الأصليين للمنطقة، حيث قال روجيليو جوانوكو، زعيم رابطة السكان الأصليين في الأرجنتين (AIRA) أن عرض المومياوات هو “انتهاك لأحبائنا” ، قائلاً: “لا يزال جبل لولايلاكو مقدسًا بالنسبة لنا، لا ينبغي أبدًا أن يدنسوا هذا الملاذ، ولا ينبغي لهم أن يفعلوا ذلك. ويضعوا أطفالنا للعرض وكأننا في سيرك، ليس من الجيد أن يكسبوا المال من وراء ذلك”.

يُعتقد أن منطقة جبال الأنديز العالية التي أُخذت منها المومياوات تحتوي على أكثر من 40 موقع دفن غير مكتشف، وحتى لا يتم إثارة غضب الهنود الحمر الموجودون في المنطقة لن يتم الكشف عن المزيد من المومياوات في المنطقة.

اقرأ أيضًا: 

“لديه روح شيطانية”.. قصة حميدة الجندوبي آخر من إعدم بالمقصلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!