الفنتقاريرسلايد

خرج ولم يعد.. جنة محمد خان التي قتلت الفأر

 

بناءا على فكرة بسيطة في كتاب براعم الربيع للمؤلف الإنجليزي إتش إي بيتس، كتب السيناريست عاصم توفيق سيناريو فيلم “خرج ولم يعد” بعد ترشيح يحيى الفخراني له، للمخرج محمد خان.

والحكاية أن خان أرسل قصة براعم الربيع ليحيى الفخراني ليبدي رأيه فيها، فقال له الفخراني: “دا خواجاتي خالص، أنا عندي مؤلف ممكن يخليهمولك مصري جدا، اسمه عاصم توفيق”، وكان الفخراني عمل مع عاصم توفيق في مسلسل الرجل والدخان من بطولة عادل إمام وليلى طاهر وكريمة مختار وعبد الوارث عسر وإخراج محمد فاضل.

كان عاصم توفيق يعمل مستشار درامي في تلفزيون قطر، أرسلوا له الفكرة، فأرسل  السيناريو والحوار في 3 أسابيع، يقول الفخراني: “اللي بعتهولنا هو هو اللي اتعمل بالمللي”، بعد الانتهاء من كتابة الفيلم على يد الفخراني وخان وتوفيق، كان طبيعيا أن يقوم الفخراني بدور البطولة في الفيلم، وصمم عليه خان وتوفيق، لكن الفخراني رفضه كل المنتجين، ولم يوافق أي منتج على قيام الفخراني ببطولة الفيلم، وكانوا يقنعوا خان بأبطال أخرين لكن خان رفض ذلك بشكل قاطع، وكان يقول في كل لقاء: “لإما الفخراني، لإما أخد ورقي وأمشي”.

يقول يحيى الفخراني عن هذه الواقعة: “في الفترة دي كترت أفلام المقاولات، اللي هو الفيلم يتصور في يومين وأقلب، فأنا كنت برفض الأفلام دي،فالمنتجين كمان بقوا يرفضوني، لكن محمد خان وعاصم توفيق صمموا عليا”.

كان دور عطية محجوزا ليحيى الفخراني الذي يخوض أولى بطولاته السينمائية القليلة والنادرة، لكن دور كمال بيه صاحب المزرعة الذي سيشتري الأرض من عطية هو الدور الذي لم يفكر محمد خان فيمن سيقوم بطولته، لكنه كان مرهق للغاية، فتم ترشيح محمود مرسي، وحسن عابدين، وعادل أدهم، وفريد شوقي للدور، لكن الجميع رفضوا المشاركة بالدور، الذي وصفوه بالصغير وغير المؤثر، مقارنة بدور البطل عطية، حتى إن عادل أدهم قال لهم: “مش هشتغل أنا مع يحيى الفخراني وهو بطل”.

في النهاية، استطاع المخرج محمد خان، اقناع ماجد موافي لإنتاج الفيلم خاصة إنه فيلم سهل ويمكن الإنتهاء من تصويره في وقت قصير، يصف الفخراني منتج الفيلم قائلا: “كان راجل غلبان قوي”، (بالفعل تم تصوير الفيلم في 4 أسابيع فقط، وهو أسرع فيلم تم إنتاجه في تاريخ أفلام محمد خان”.

لكن الأمر لم يكن بهذه السهولة ..

يخاف يحيى الفخراني من الفئران ككثير من المصريين، وكتب عاصم توفيق في سيناريو الفيلم إن عطية “الفخراني”، عندما ينام في منزل الحاج عوضين يظهر له فأر، فيصرخ مذعورا، صمم محمد خان على المشهد، ورفض الفخراني تمثيله، وعندما ذهبوا إلى بنها لتصوير مشاهد الفيلم، كان هناك أزمة في مصر هي أكل الفئران للمحاصيل، فقررت الدولة القضاء على الفئران، فقضت على الفئران في المنطقة، وقتها قال الفخراني لخان: “شفت أهي جات من عند ربنا”، لكن خان لم يقتنع، طلب طفل من أطفال القرية، وقال له: “هديك خمسة جنيه وتجيبلي فار”، فعاد الطفل بعد 5 دقائق وفي يده فآران، يحمل كل واحد في يد من ذيله.

(ملحوظة هامشية: تم تصوير الفيلم في سنة 1985، وكان سعر الدولار وقتها 93 قرش، أي أن الطفل حصل على قرابة 6 دولار، وهو رقم جيد جدا وقتها). 

 كان محمد خان يخطط لأن يضع الفأر في وجه يحيى الفخراني، لكن الفخراني شعر بالرعب من الفكرة، وقرر عدم تنفيذها حتى لو ترك الفيلم، كان مصور الفيلم طارق التلمساني في أول تجربة له، فقال للفخراني وخان: “عندي فكرة، أنا هربط الفار من رجله، بحيث أنه لا يمكن يوصل لوشك مهما جري”، أعجبت الفكرة الثنائي، ووافقا عليها، لكن الفار المربوط من ساقه مات من الخوف، وفشلت فكرة تنفيذ المشهد كما أراد خان، في النهاية صور خان المشهد بخدعة ما ليظهر في وجه الفخراني، يقول الفخراني: “زقوه كدا بالعافية ودخل الكادر وطلع”.

تقول ليلى على في لقاء مع صاحبة السعادة: “الفيلم دا كله أتصور في بنها، ما عدا شوت واحد وأنا بحلب الجاموسة، أتصور في المريوطية، وكان كل يوم الساعة 4 الصبح، تيجي عربية بيجو 7 راكب، تاخد الممثلين، نصور في بنها لحد ما الشمس تغيب، وأرجع أصور فيلم الموظفون في الأرض مع الأستاذ فريد شوقي”.

ربما سألت لماذا تم تصوير مشهد حلب الجاموسة في المريوطية، بدلا من تصويره في بنها؟

تقول ليلى علوي: “أحنا قعدنا 4 أسابيع كل يوم الصبح، نجيب جاموسة، وأقعد تحتها علشان أحلبها لكن مكانتش بترضى تتحلب، وفضلنا كل يوم نعمل أوردر نجيب جاموسة وأقعد تحتها، لكن لا يمكن أبدا”، حتى جلب محمد خان جاموسة في منطقة المريوطية وتم حلبها كما جاء في المشهد الشهير.

تم تصوير الفيلم في مزرعة بعزبة أبو نصير في بنها، رغم إن سيناريو الفيلم ينص على تصويره في العزيزية وهي إحدى قرى منيا القمح بالشرقية، لكن في الفيلم يقول المنادي في الموقف: “بنها بنها بنها”.

محمد خان غير مقتنع بليلى علوي

من وجهة نظري قدمت ليلى علوي أفضل أداء تمثيلي لها في فيلم، لكن محمد خان مخرج الفيلملم يكن مقتنعا بليلى علوي، وكان يراها فتاة جميلة، لكنها لا تصلح لدور الفلاحة، لكن الترشيح جاء من عاصم توفيق ويحيى الفخراني، ذهبت ليلى علوي لمقابلة محمد خان، ومثلت مشهد أمامه، وقال لها: “بصي.. مش هتحطي نقطة مكياج، وهتكبري حواجبك، وأنا اللي هختار لبسك”، فوافقت، فخرجت شخصية خوخة، الشخصية التي تحولت لحورية في عيون كل من رأها، وصارت المعادل للوجه الحسن، عند ربطها بالخضرة والماء.

فريد شوقي يرفض مشاهدة الفيلم

عمل الفنان فريد شوقي في الفيلم وهو غير راضي عنه نهائيا، ووافق بعدما قال له المنتج والمخرج: “أنقذنا أرجوك”، فعمل فريد شوقي في الفيلم كموقف شهامة، لكنه لم يكن مقتنعا به نهائيا، وصور مشاهده في الفيلم، وأسقطه من حساباته، ورفض أن يشاهده أثناء العرض.

يحكي المخرج محمد خان أن فريد شوقي، لم يشاهد الفيلم إلا متأخرًا حينما تم عرضه في السينما، وبعد أن حصد بعض الجوائز وأبرزها جائزة «التانيت الفضي» في مهرجان قرطاج الدولي، قال وقتها ليحيى الفخراني: “الله ما الفيلم حلو أهو”.

الفخراني وشوكراي

شاركت مصر بفيلم “خرج ولم يعد” في مهرجان قرطاج السينمائي الدولي، وفاز الفيلم بالجائزة الثانية (الطانيت الفضي)، وحصل بطل الفيلم يحيى الفخراني على جائزة أحسن ممثل، وحصل الفنان فريد شوقي على شهادة تقدير عن دوره بالفيلم، ويحكي الفخراني إنها المرة الأولى التي يمنح قرطاج جائزته لفيلم مصري.

ولأن الفيلم استثنائي كان لفوزه بالجائزة قصص استثنائية، يحكي الفخراني: “كلموني في قرطاج علشان احضر المهرجان، فقلت وماله أروح اتفسح هناك، طلعت من البيت في طريقي للمطار وشعرت بألم رهيب، فكلمت إدارة المهرجان واعتذرت، وقلتلهم عندي حصوة، مرجعتش على البيت، روحت مستشفى القاهرة التخصصي، فعلقولي محاليل، ونزلت الحصوة، فكلمتهم قلتلهم الحصوة نزلت، ينفع أجي المهرجان، فقالولي آه تعالى بكرا”.

وتم تسكين الفخراني مع محمد خان والناقد الراحل يوسف شريف رزق الله، وأثناء جلوسهما معا اتصلت به سيدة عرفته بنفسها “أنا سكرتيرة شوكراي”، فقاله لها الفخراني: “مين شوكراي دا”، فقال له: “أقفل السكة وأنزل بسرعة، دا من أهم مخرجي العالم دا مخرج فيلم طلقة 41 تلاقيه شاف الفيلم وعايز يسلم عليك”.

(ملحوظة هامشية: “فيلم الطلقة 41 فيلم من إنتاج سوفييتي وهو يتحدث عن امرأة مقاتلة من من الحمر تكلف بمهمة نقل ضابط أسير من البيض وذلك أثناء الحرب الأهلية، تنقل المقاتلة الأسير على مركب في عرض البحر, ويدها على الزناد وهي مستعدة لإطلاق الطلقة 41 من بندقيتها, في حال حاول الأسير الهرب, أو القتال، وأثناءالرحلة تهب عاصفة فيغرق المركب وتقذف بهما الأمواج إلى جزيرة نائية, فتنشأ بينهما علاقة حب هائلة.. لكن تنتهي بنهاية شديدة الصعوبة).

لم يكن شوكراي يتحدث العربية ولا الإنجليزية، لكن طلب من سكرتيرته أن تقول للفخراني: “أنت ممثل كويس جدا، وعجبني فيلمك”، فقالت، فقال الفخراني للسكرتيرة: “قوليله عايز حاجة تاني”.. ويبدو أن روح عطية كانت عالقة في الفخراني بعد انتهاء الفيلم، وبعد 3 ساعات تم إعلان فوز الفخراني بالجائزة.

لا يوجد أي شخصية شريرة في الفيلم، كل الشخصيات طيبة، حتى حماة عطية لم تكن  شريرة، فهي زافقت على خطبة عطية لابنتها وانتظرت عليه 7 سنوات، حتى توفيق الدقن رمز الشر في كل الأفلام ظهر في دور الطيب، وحمله المؤلف والمخرج اسم عوضين، لأنه يحمل العوض لعطية، العوض عن الشقة التي لم يستطع الحصول عليها بمساعدته في بيع الأرض، والعوض عن زينات لكونه السبب في التعرف على خيرية.

الفيلم أيضا حرص أن يخرج الجميع سعيدا، عطية سيتزوج من خيرية، زينات في نظرة خاطفة أعجبت بحسن موظف الأرشيف صديق عطية، كمال بيه وجد معينا له في عمله وزراعته، عطية نفسه عمل في الهواية التي تمنى أن يعمل بها لكن لفشله في الثانوية العامة عمل في الأرشيف، فيلم يشع سعادة وبهجة.

كرر صناع العمل كلمة الجنة على ألسنتهم، فخيرية تصف المكان بجنتها الخاصة، وعطية يصف المكان بالجنة التي كان يحلم بها، وكمال يصف الأكل باللذة المتعة، والمكان بالجنة، حمل الفيلم رسالة للبحث عن جنتك، لكل شخص جنة في رأسه، وعليه أن يبحث عنها ليعيش في جنته الخاصة، كما قالت خيرية: “أنا بعتبر المكان دا جنتي”.

مفارقات

قدم صناع الفيلم مها عطية (زينات – خطيبة عطية) في الفيلم لأول مرة، واستمرت في التمثيل حتى سنة 1997 قدمت مسلسل “أصل و5 صور”، مع ممدوح عبد العليم، وكان آخر أعمالها، وفي الفيلم قدمت إحسان شريف دور والدة زينات، وكان أخر أدوارها وتمكن المرض منها وماتت في نفس سنة عرض الفيلم (إحسان شريف والدة سعاد حسني في فيلم إشاعة حب، صاحبة الجملة الأثيرة (بلدي قوي دي يا حسين)”

معلومات عن إحسان شريف

ملحوظة جانبية، تم تقديم مسلسل عن نفس قصة الفيلم، في سنة 1991، يحمل اسم The Darling Buds of May، وهو نفس اسم قصة المؤلف البريطاني من بطولة ديفيد جايسون وبام فيريس وكاثرين يتا جونز. 

 

الأكل ده نعمة من نعم ربنا، لذة من لذائذ الحياة الكبرى، مش مهم تاكل غالي ولا رخيص، المهم إنك تتمتع بالأكل

كمال بيه

الفخراني وشوكراي

أقرأ أيضا

بطريقة بشعة.. أولغا من ملكة جمال لجثة مقطوعة الرأس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!