تقاريرسلايد

ماذا وجد الخليفة المأمون داخل الهرم الأكبر؟

ماذا وجد الخليفة المأمون داخل الهرم الأكبر؟

كتب – أحمد المرسي

 

مع بداية عام 2019، بدا أن الأجواء على وشك التأزم بين مصر وإسكتلندا، حيث طالبت مصر المتحف الوطني الإسكتلندي بإثبات إمتلاك حجر ضخم من الهرم الأكبر خوفو في الجيزة، كانت اسكتلندا قد عزمت على عرضه!

وتتكون القطعة المأخوذة من الهرم من الحجر الكلسي، وتعتبر أحد الأجزاء النادرة من الغلاف الذي كان يكسو الهرم من الخارج وهزمه الزمن وأيدي العابثين.

وطالبت دوائر الآثار المصرية متحف إسكتلندا بإثبات أن هذه القطعة الغالية من الهرم قد خرجت بإذن ومستند حكومي.

من الجهة الأخرى أصر المتحف أن المهندس البريطاني وايمان ديكس الذي كان يعمل في مصر حصل على إذن لإخراج القطعة في عام 1872 م.

وكان كل من عالم الفلك الإسكتلندي «تشارلز بيازي سميث» وزوجته جيسي قد عثرا في عام 1865 على الحجر المصقول، الذي تم استخراجه في الأساس بين عامي 2589 و 2566 قبل الميلاد من محاجر طرة على بعد 9 أميال من الهرم بأوامر من الملك خوفو نفسه ، ونقل المستكشفان الحجر إلى إدنبره، ليتم عرضه في منزلهما هناك على المعجبين، وإختفى فترة طويلة ليعود ويظهر من جديد!

مأمون

ويقول المتحف الوطني بإسكتلندا أن المكتشف قد وجد الحجر في كومة من الأنقاض من أعمال طرق كانت تجريها الحكومة المصرية في عام 1869.

وأضاف: «ذلك أعطاه الإذن الرسمي من نائب ملك مصر والدعم من خدمة الآثار المصرية”. وقال متحف اسكتلندا الوطني إن الحجر سيكون قطعة رئيسية في صالة جديدة ستحمل عنوان “إعادة اكتشاف مصر القديمة».

وللأسف ليس هذا الحجر الضخم سوى جزء صغير من ما تعرض له الهرم الأكبر خاصة من عبث، فطوال قرون طويلة كان الهرم الأكبر والأهرامات بشكل عام تتعرض للإنتهاك، ولكن إذا كان علينا أن نختار واقعة واحدة تُعتبر هي الأخطر والأغرب، فإننا يجب أن نختار واقعة الخليفة المأمون وقصته مع الهرم الأكبر!

الفاتحين العرب والاهرامات!

في العام 642 م هزم العرب البيزنطيون، ودخل القائد عمرو بن العاص إلى مصر، وعلى الرغم من إعجاب بن العاص بمصر والإسكندرية بشكل خاص، ولكن لم تفلح الآثار القديمة في لفت إنتباهه ورفاقه، ويبدو أن السبب هو هجران الأقباط المصريون أنفسهم للغتهم القديمة، وجهلهم بتاريخهم الذي مات مع الوقت، وتأليفهم القصص الأسطورية عن تلك المعابد والباربي والآثار القديمة التي تم ربطها بالشياطين في الماضي السحيق!.

وعلى مر سنوات طويلة كان الاستخدام الأمثل للمعابد والأهرامات كمحاجر باعتبارها مورد سهل للحصول على الحجارة، ولذلك فقد حطم العرب الفاتحين المعابد من  أجل بناء منشآتهم، مثلما فعل المسيحيين الأوائل.

وزيارة بسيطة لمسجد عمر بن العاص، يمكن الإضطلاع على الأعمدة الحجرية المصنوعة على النمط الأغريقي والتي لا تتاسب تماماً مع الفن الإسلامي، مما يعني أنها أخذت كما هي من المنشآت القديمة ووضعت كما هي في المنشآت الجديد!

ولا نتعجب عندما نعلم أنه ولبناء الفسطاط تم إستخدام كسوة الأهرام وحجارة المعابد والمقابر القريبة لبناء العاصمة الجديدة.

واستمر هذا الوضع طويلاً، فنحن نعرف على وجه اليقين أن القائد الإسلامي الشهير صلاح الدين الأيوبي قام ببناء أسواء قلعته – قلعة صلاح الدين – عند سفح المقطم عن طريق هدم أكثر من 15 هرماً فرعونياً واستخدام حجارتها لتشييد مبناه!.

وذكر هذه الحقيقة المقريزي وغيره من المؤرخين من أمثال عبد اللطيف البغدادي في كتابه “الإفادة والإعتبار في الأمور والمشاهدات والحوادث المعاينة بأرض مصر”،فقال نصاً: «..بعضها كبار وبعضها صغار وبعضها طين ولبن وأكثرها حجر وبعضها مدرّج وأكثرها مخروط أملس، قد كان منها بالجيزة عدد كثير لكنها صغار فهدمت في زمن صلاح الدين يوسف بن أيوب، على يدي قراقوش، وهو الذي بنى السور من الحجارة محيطاً بالفسطاط والقاهرة وما بينهما وبالقلعة التي على المقطّم، وأخذ حجارة هذه الأهرام الصغار وبنى بها القناطر الموجودة اليوم بالجيزة»،

وقد شاهد المؤرخون الاوائل عشرات الأهرام التي تمتد بطول وادي النيل!

ونرى ابن صلاح الدين يحاول أن يهدم هرم منكاورع ليبني قلعة له، ويكمل ما بدأه أبوه، وقد جلب مجموعة كبرى من العمال وقاطعى الأحجار، ليبدأوا بدورهم بمحاولة استمرت 8 شهور كاملة لتفكيك الهرم الأصغر، ولكنهم فشلوا فى النهاية، بسبب ضخامة التكلفة وصعوبة التنفيذ!

وحتى العصر الحديث عندما فكر محمد على باشا والي ملك مصر، فى تنفيذ مشروع القناطر الخيرية، فكان أول ما تبادر إلى ذهنه هو هدم الهرم الأكبر، لإستخدام حجارته فى بناء القناطر حتى يوفر نفقات البناء، ولكن بعد دراسة المشروع وجد الخبراء أن تكلفة جلب حجارة جديدة للبناء ستكون ارخص كثيراً عن تكلفة هدم الهرم ونقل حجارته وبناء القناطر، وتم إلغاء فكرة الهدم، ولم يكن ما يعنيه القيمة التاريخية للهرم هي ما أوقف الباشا أبداً عن هدم أحد عجائب الدنيا السبعة!

وتعكس مثل هذه الأفكار المتنورة ما كان يُظن عن الأهرامات في الأزمنة القديم، فحتى في أوروبا كانت الأهرامات تذكر في حوليات المحاربين والرهبان والقسس الجوالين، والذين كانوا قلما يزورون مصر في العصر الإسلامي باسم «صوامع غلال يوسف» باعتبار أنها تلك الصوامع التي استخدمها يوسف الصديق من أجل تخزين الغلال في سنوات القحط السبع بحسب القصص المشهور!

على أي حال كانت الأهرام لغزاً في العالم القديم ، تم تأويله على حسب ميول المتحدثين، ولكن أغرب ما أثير عنها أنها إحتوت على كنوز الفراعنة القدامى.

ويبدوأن هذه الفكرة كانت تراود عقول الكثيرين منذالبداية فنحن نرى أحد المورخين مثل المسعودي يقص لنا عن الكنوز التي بداخل الهرم الأكبر، فيقول أن به تمثال لشيخ كبير من الحجر الأخضر، جالساً على أريكة متدثراً بعباءه وقال أن هذ التمثال يستحيل تحريكه!

الحقيقة تبدو تخيلات المسعودي للوهله الأولى خزعبلات طفوليه ولكن على أي حال الأمر يعيطينا فكرة عن ما كان يعتقده الأقدمين.

حسناً، لاشك أن المحاولات كانت كثيرة لسرقة الهرم، فطالما هناك كنوز فهناك سرقة ، على أي حال لم يكن الهرم على صورته الحاليه، ولكنه كان بلا مدخل، حيث كان أملس، وتدرجات حجارت لم تكن كما هي ظاهرة الآن ولم يتجرأ على البدء في أشهر مغامرات سرقته إلا المأمون!

المأمون وكنوز القدماء؟

كان المأمون الخليفة السابع من خلفاء بني العباس، وعرف تاريخياً بحربه ضد أخيه الأمين، وهو صراع على السلطة إمتد أربع سنوات انتهى بتمكنه من العرش!.

ونتيجة للإضطرابات الداخلية في الدولة وفتنه الأخين استبد الولاة في الولايات البعيدة عن بغداد وكان أحد هذه الولايات مصر، وهنا نشبت الثورة التي عرفت في التاريخ بثورة “البشمورين”، وكان البشمورين الأقباط جماعة يعيشون في الدلتا بين دمياط ورشيد، ويعملون في الصيد و صناعة أوراق البردي، ونتيجة لظلم الولاة قاموا أشعلوا الثورة في هذا الأقليم الذي كان يصعب على جنود الخليفة دخوله بسبب إنتشار البرك والبحيرات ، وهو ما وضع الخلافة العباسية في حرج كبير،إضطر المأمون نفسه إلى القدوم على رأس جيش جرار لإخمادها، وتمكن بالفعل في بداية القرن التاسع الميلادي من القضاء عليها ، بالتعاون مع ابطرك ديونوسيوس بطرك انطاكية، والأنبا يوساب بطرك الأقباط، وقام بأسرهم وإحراق منازلهم وبيعهم كعبيد في بغداد وقدر عددهم بثلاثة آلاف!

مأمون
مأمون

بعد أن أحرز المأمون النصر مكث في مصر شهرين، ونعرف أنه خلال هذين الشهرين يقوم بشيء غريب ، لقد كان يسرق كنوز الهرم الأكبر!.

عرف المأمون ما يقال عن أهرامات مصر، وما تحتويه من الكنوز، ولذلك، ولكي يعوض خسارته في الحروب ضد البشموريين فقد قرر أن يخوض المغامرة ويكتشف الهرم ويكتنز ما بداخله من الكنوز، وعلى الفور جهز حملة من الجنود المعماريين والبنائين والمهندسين ونحاتي الأحجر، وتوجهوا إلى الهرم الكبير

وكان الغرض في البداية كما يقول المقريزي هدم الهرم واستخراج الكنوز من داخله، ولكنهم قالوا له أنك لن تقدر على هذا، فقال لابد اذا  من دخوله، وعندما لم يجد له مدخلاً حيث كان في هذا الوقت الهرم مغطى بطبقة خارجية من الحجر الجيري التي تشكل جسم الهرم ، بدأ في صنع مدخله الخاص!

حاول رجال المأمون فتح الهرم من الجهه الشمالية، أسفل المدخل الأصلي للهرم مباشرة، والذي كان مغلقا ً فلم يستطيعوا الوصول إليه، فبدأ في أمر رجاله في الحفر في الجدار، ولأن الطبقة الخارجية كانت ملساء فإن المطارق لم تنجح في خدش البناء المنيع، فنصحهم حداد مصري بأن يقوموا بتسخين الحجر الذي توهج أحمرارًا ثم صبوا عليه الخل البارد حتى نجحوا في شق الحجر، ومن ثم استخدموا آلة تسمى “رأس الكبش” وهي آلة حربية قديمة تستخدم في هدم الأسوار وبالفعل تمكن من فتح منفذ لدخول الهرم الأكبر!

ويمكننا تخير العمل الشاق الذي قام به العمال في الحفر، كان المدخل عند الطبقة السابعة من الهرم، ومنزاحاً نحو سبع امتار في اتجاه الغرب، واستمروا في الحفر أفقياً لمسافة 89 قدم، ثم إنحرفوا بحدة إلى اليسار ليتقابل مع الحجارة الحاجبة للممر الصاعد، وبسبب عدم قدرتهم على إختراق الحجارة الصلبة، قام العمال بالحفر لأعلى خلال الحجارة الجيرية الأسهل في الاختراق حتى وصلوا للممر الصاعد، قبل أن يجد كنزه!

وهنا يصف لنا المقريزي ما وجده المأمون ورجاله، حيث يقول أنهم عثروا على أجساد جثث لبني آدم على كل واحد وقد بليت بطول الزمان واسودت ، أما عن المومياوات فيقول اجسادهم مثلنا، ليسوا طوال،ولم يسقط من أجسامهم ولا من شعورهم شيء، وليس فيهم شيخ ولا من شعرة بيضاء، وأجسادهم قوية لا يقدر إنسان على أن يزيل عضو من أعضائهم البتة!

أما عن الكنوز فقد وجدواها في صورة ذهب، وبإحصاء قيمتها وجدوا أنها تساوي تماماً ما أنفقه المأمون على دخول الهرم، فتعجب المأمون كيف أن القدماء قد استطاعوا أن يعلموا بكل دقة قدر ما ينفق من مال على القيام بفتح الهرم، وأمر بحمل الذهب إلى خزانته!

ولازال مدخل المأمون الى الآن هو المدخل المستخدم للعبور الى داخل الهرم الأكبر ويستخدمه السائحون، بدلاً من المدخل الرئيسي.

أما عن الخليفة المأمون ذاته فالدلائل التاريخية كلها تقول أنه قد أصيب بما يسمونه «لعنة الفراعنة» حيث أنه وبينما كان في أراضي الدولة البيزنطية في آخر غزواته وهو بالبدندون شمال طرسوس، أصابته حمى مجهولة المصدر لم تمهله كثيرًا وفي 19 أغسطس 833م لقى حتفه بعد شهور قليلة من فتحه الهرم الأكبر، عن عمر  يناهز 47 عاماً فقط!

 

المصادر:

تاريخ المقريزي

أرشيف جريدة الأهرام

 

أقرأ أيضًا:

لماذا تلد الأمهات على ظهورهن.. رغم أنها ليست الطريقة الصحيحة للولادة!

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!