تقاريرسلايد

في ذكرى وفاته.. كيف كانت اللحظات الأخيرة في حياة “طومان باي”

بين المماليك والعثمانيين

كتب – أحمد المرسي

“أعمل شغلك”.. بهذه العبارة، اختتم آخر سلاطين المماليك طومان باي حياته، عندما إلتفت إلى جلاده، ليأمره بوضع حبل المشنقة في رقبته.

كانت جمهرة كبيرة  أمامه من الإنكشارية العثمانيين يبلغ عددهم 400 جندي،، وآلاف من أهل القاهرة قد تجمعوا أمامه يبكون، عند باب زويلة، فقال لهم: “أقرأوا لي الفاتحة”، فقرأوها له، بينما الجلاد يتجهز للإجهاز عليه.

في هذا المشهد المهيب عند باب زويلة، او كما يسمية المصريون “باب المتولي” كانت نهاية سلاطين المماليك. ونهاية الخلافة الإسلامية في مصر.

أما البداية فقد كانت عند نفس الباب، عندما أمر قطز بقطع رؤوس رسل المغول، وعلقها على الباب نفسه، عندما هددوا أمن البلاد. وانطلق يهزمهم مع من كانوا معه في “عين جالوت”. ليبدأوا دولة إسلامية قوية وشابة عاصمتها مصر. دولة استمرت 500 عام كاملة.

سقوط المملوك الأخير

إن كلمة مملوك تعني “عبد”، وقد كان أغلب سلاطين المماليك عبيد تم جلبهم من القوقاز، وحدود روسيا، وأوكرانيا حاليًا، تم سرقتهم أم تم بيعهم من قبل والديهم بسبب الفقر والفاقة، فجاؤوا إلى مصر، وتربوا فيه ما يسمى “الطباق”. و”الطباق” هي معسكرات لأطفال المماليك، وهناك تعلموا الكتابة، والدين، والقتال وركوب الخيل، والضرب والطعن، حتى صاروا أشد فرسان القرون الوسطى.

بعد ذلك يخرج المملوك من الطباق، ليكون في رفقة أستاذه، الذي اشتراه من الأساس. ويترقى في المناصب، حتى يتولى أكبرها، وإذا كان سيء الحظ أصبح سلطانًا!.

لم تكن حياة طومان باي تختلف اختلافًا كبيرًا عن ذلك، حيث جاء مصر، وألحق بخدمة السلطان الغوري، والذي في عهده بدأت تهديدات الدولة العثمانية الشابة تكون أكثر خطورة، مما اضطره في النهاية للخروج لمواجهتهم في مرج دابق. ليصبح طومان باي “أمير الغيبة”. أو نائب السلطان في غيابه.

قطع رأس الغوري

لم يعرف أحد ما حدث للغوري في معركة مرج دابق، حيث لم تعود جثته، رغم أن الرجل كان قد صنع الغورية بالكامل من أجل مدفنه، ولكن من سخرية القدر. قُدر لهذا الحي القاهري أن يحمل اسمه دون أن يضم جثته. حيث وبسبب الخيانة في موقعة مرج دابق الشهيرة. هجم الترك على المماليك. واخترقوا صفوفهم. فسقط الغوري عن جواده، وقتل، ولكن مماليكه سارعوا إلى جز رأسه عن جسده، حتى لا يتعرف عليه الأتراك، ويمثلوا بجثته، وتركوا جسده في ميدان المعركة بين الجثث غير معروف من هو، وهربوا برأسه ولم يعرف أين وضعت!

الأيام الأخيرة لطومان باي

كان طومان باي شابًا بعمر 44 عامًا، متوسط الطول، ذهبي اللون، واسع الجبين، أسود العين والحاجبين واللحية، ويقول ابن زنبل الرمال في مخطوطته “آخرة المماليك” عن صفاته الشخصية:” لا يظهر شيئاً مما يفعله أهل التجبر والعنف، وكان الغالب على حاله السكينة والوقار، وكان غالباً على نفسه، رزيناً في أحواله، لين الكلمة ذا انخفاض، كثير الرحمة والشفقة على كل أحد، حتى انه لما ظهرت منه هذه الفراسة والشجاعة في قتال سليم الأول، صار الناس يتعجبون منه غاية العجب، ولم يكن أحد يظن أنه بهذه الصفة”. 

على عكس سلاطين المماليك لم يتخذ طومان باي إلا زوجة واحدة هي “خوند” ابنة أحد امراءه، والذين سيخونوه في النهاية وهو جان تغري بردي. وقد كان شائعًا لدى السلاطين أن يتخذوا أربعة زوجات، وقد كان لقايتباي ألف محظية.

تم اختيار طومان باي على غير رغبة منه من أجل تولي السلطة بدلًأ من قنصوة الغوري. والحققة أنه رفض ذلك، ولكن بعد ضغط شديد وافق، بعد أن أقسم أمراء المماليك على مساعدته. والحقيقة إنه ما كان يستطيع أن يفعل شيء. وكان يجني أخطاء من قبله لا غير.

في الريدانية

تسمى الريدانية اليوم العباسية، وقد كانت صحراء لا غير في ذلك الوقت قبل أن تمتد لها يد العمران، وقد شهدت تلك المنطقة آخر موقعة كبيرة بين العثمانيين والمماليك على حكم مصر. وهنا كانت النهاية الحقيقية للماليك، حيث خان جان تغري بردي ميمنة جيشه، وأنضم بها إلى العثمانيين، فلم يجد طومان باي بد من أن يهجم بنفسه إلى قلب جيش العثمانية، فدخلها مع مجموعة من رجاله، حتى وصل إلى خيمة سليم الأول، وهناك قاتل سنان باشا، أكبر وزراء سليم، وأبيه الروحي، وبدأ في قتاله رجلًأ لرجل. وطومان يظنه سليم نفسه، فقام بحمله فوق رأسه ثم رماه فوق الأرض، وجثم فوق صدره، وقام بذبحه، وعندما خرج من الخيمة كان يعتقد أنه قتل السلطان العثماني ولكن هذا لم يكن صحيحًا. حيث لم يكن سليم في الخيمة في ذلك الوقت!

سليم الأول
سليم الأول

هرب طومان باي، مع جملة من كانوا معه للاستعداد للجولة الثانية، وقد خاف سليم من دخول القاهرة 3 أيام رغمًا من عدم وجود جيش يحميها، خوفًا من هجوم طومان باي مرة أخرى عليه. وقد حدث هذا بالفعل عندما دخل فهاجمه عند بولاق، ولكن سليم استطاع رده، فذهب طومان إلى البحيرة، حيث وشى به “حسن بن مرعي” أحد العرب هناك وسلمه لسليم.

مواجهة أخيرة

عندما وقف طومان باي بين يدي سليم لم يكن خائفًا، بل شجاعًا للدرجة التي أثارت إعجاب سليم نفسه، فيقول ابن إياس أنه حياه مثل الملوك، وقال له سليم في غضب معاتبًا إياه:”

يا طومان باي، كم نهيناك عن القتال وسفك دماء المسلمين، وإني أرسلت لك من الشام أن تجعل السكة والهطبة باسمي، وأنت مقيم على مصر، فأبيت ذلك، كذلك أشار إليه، أنّه واجب الطاعة؛ لأنّه سلطان بن سلطان، بينما طومان باي من المماليك، الذين لا يعرفون حتى آباءَهم، وربما كانوا من أولاد النصارى.

قال له طومان باي: إنّ دولتكم هي التي أقبلت، ودولتي أدبرت، وهذا شيء كتبه الله تعالى، وإنّي ما أخذت السلطنة برغبة مني، وإنما قومي وعسكري اختاروني، ورغبوا في أن أكون السلطان عليهم، لما علموا من زهدي في ذلك، فلما تقلدت عليهم، وجب عليّ أن أردّ عنهم.. هل لو أرسلت لك أنا وأمرتك أن تكون تحت إمرتي، هل كنت ترضى بذلك؟ وهل سمعت أنّ الأسد يخضع للذئب؟ لا أنتم أفرس منّا، ولا أشجع منّا، ولكن أنت كنت تستحلّ قتل المسلمين، وترمي عليهم بهذه المدافع  والنيران، فكيف بك، إذا وقفت بين يدي ربّ العالمين، وما من ملك، وإن تعاظم، إلا هو لله بعد أصغر، فما أنا وأنت إلا بجملة العبيد!

الغريب أن سليم قد اعجب بطومان باي، وكاد يصطحبه معه إلى اسطنبول، أو يوليه حكم مصر نيابه عنه، ولكن خاير بك الخائن، قد أشار عليه بقتل طومان لأن الناس يشكون في أنه قبض عليه من الأصل. وحولوه إلى بطل بينهم. فأمر بقتله.

المشهد الأخير

أخذ العساكر طومان باي من معسكر سليم الأول. في 400 من العساكر الإنكشارية، ويقول ابن اياس أنهم اركبوه بغلة، وساروا بهم وسط الناس. فلما وصل إلى باب زويلة، ورأى في قبة الباب الحبل يتدلى عرف أنه مشنوق، فنزل عن البغلة، وتقدم نحو الحبل بشجاعة، وطلب من الناس أن يقرأوا له الفاتحة فقرأوها له، وإلتفت إلى الجلاد وقال له “اعمل شغلك”. فقام بشنقه، ولكن انقطع حبل المشنقة. فهوى جسد السلطان فوق الأرض. فأعاد الكره، فقطع الحبل ثانية، ولم تفض روحه إلا في المرة الثالثة. ويقول ابن إياس: فصرخ الناس عليه صرخة أمل وبكته الأرامل واليتامى.

بقي طومان باي معلقًا مصلوبًا ثلاثة أيام على باب زويلة. ثم بعد ذلك أنزلوه، وقام القاضي أصيل الطويل بتغسيله، ويقول ابن زنبل الرمال أن سليم الأول اشترى له الكفن من الحانوتي “خاص الموصلي الرفيع”، حيث كفنه القاضي، وأنه حضر الصلاة على طومان باي، وحضر جنازته، ودفنه في قبة السلطان الغوري، وأنه بعد أن واراه الثرى وزع الصدقات على روحه.

اقرأ أيضًا: 

بعيدًا عن ادعاءات “الأفروسنترك”.. من أين جاء المصريون؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!