الفنسلايد

عن أحمد عبد العزيز .. أزمة أن تكون رمزا

عن أحمد عبد العزيز .. أزمة أن تكون رمزا

 

مع بداية عصر الإنترنت، وانفتاح المشاهد المصري على الآف الأعمال الفنية والتعرض لأنواع مختلفة من الآدات الفنية، برز مثال صارخ لما يمكن تسميته بفن “الأفورة” في الآداء كان بطله بلا منازع في هذه المرحلة الفنان أحمد عبد العزيز.

كان أحمد عبد العزيز نجم نهاية الثمانينات وطوال عقد التسعينات، لكن قل الظهور الفني في الألفية الجديدة مع ظهور موجة المضحكين الجدد في السينما التي تبعها أيضا تغيير في خريطة الأداء التلفزيوني، وظهور بطولات فنية مختلفة عن الوجبة التي أعتاد التلفزيون تقديمها.

عبد العزيز
عبد العزيز

 

أحمد عبد العزيز الذي أحبه ويحبه والداي

أحمد عبد العزيز ممثل مصري، مصري هنا ليس بحكم الجنسية فقط، ولكن بحكم الملامح والأداء والهموم، مصري حتى النخاع، لا يمكن أن يكون أحمد عبد العزيز مواطن لدولة آخرى، هو مواطن مصري، كل ما فيه مصري.

ولد أحمد عبد العزيز في مدينة الاسكندرية لكنه برع في دور الصعيدي، عبد العزيز الذي لم يزر الصعيد إلا سائحا أتقن لهجة أبناء الصعيد كانه واحد منهم، هو البدري أبو بدار الهواري، في “ذئاب الجبل”، والجارحي في “حرث الدنيا” الطيب والشرير، والمتقن في كلاهما.

أحمد عبد العزيز هو الأخ الكبير الذي يعول عليه الجميع كما في الوسية، أو سوق العصر، وهو الابن الأصغر الذي يحمل معه شارة المستقبل وأمل الماضي كما في “المال والبنون”، هو الوريث الذي قرر الدكتور إمام أن يكمل مسيرته.

هو الفتي المصري الذي تحبه الفتيات لا لفرط وسامته ولكن لـ “جدعنته”، كما المصريين، ففي مسلسل “مين اللي ميحبش فاطمة”، كان عبد العزيز في مصر محبوبا من ابنة عمه “جيهان نصر”، ومديرته “عبير صبري”، وعندما يسافر النمسا تقع في غرامه مارجريت التي تدخل الإسلام حبا فيه وتعلن إسلامها وتتزوج منه مخالفة القانون النمساوي بالزواج من رجل متزوج، بالمناسبة جسدت شخصيتها “شيرين سيف النصر، كانت شيرين سيف النصر وجيهان نصر وعبير صبري، فتيات أحلام الشباب المصري على مختلف طبقاتهم، وظفر بهن جميعن الفنان أحمد عبد العزيز، حتى إني اقترحت أن يكون اسم المسلسل “مين اللي ميحبش صبري”.

لكن السؤال الذي يهم هل كان أحمد عبد العزيز مقنعا في الدور؟، بالطبع كان، يكفيه مشهد المشرحة الذي آداه ببراعة، مع الخلاف حول الإمكانيات التي تم تنفيذ المسلسل بها، وهي سمة لكل مسلسلات المرحلة تقريبا.

مثله مثل الكثير من المصريين، حصل عبد العزيز على درجة البكالوريوس من كلية التجارة، لكنه لم يعمل بها وأنما التحق بها لكي ينفذ رغبة أهله في الحصول على الشهادة التي تُعلق في غرفة الصالون، عندما كان هناك صالون وعندما كان هناك غرفة تُعلق فيها الشهادات.

ثم حصل على البكالوريوس كذلك من المعهد العالي للفنون المسرحية، لتكون بداية عمله الفني من خلال المسرح الجامعي، ويلتحق بعدها بسنوات بمسرح الطليعة في عام 1976. لكن شهرته كانت بسبب مجهوده المكثف في العمل في الدراما التليفزيونية التي طغت على قائمة اعماله.

مثله مثل كل المصريين، كان أحمد عبد العزيز يؤمن بالفآل، سافر إلى أسوان في رحلة نيلية، على المركب سأله المراكبي: “يا أستاذ أحمد ليه مبتعملش صعيدي .. شاكلك خايل في الجلابية”، ضحك عبد العزيز وقال له: “ربنا يبعت”.

عاد من الرحلة فوجد رسالة من صديقه المخرج مجدي أبو عميرة “قدما معا مسلسل المال والبنون 1″، وقال له: “بعتلك يا احمد مسلسل كاتبه المستشار صفاء عامر، اقرا وقولي أخرجه ولا لا؟”، قرأ أحمد عبد العزيز المسلسل وأعجب به، وقال له: “أعمله حلو قوي يا مجدي”، فرشحه مجدي لدور من الدورين: “ها تعمل حاتم ولا البدري”، رد عبد العزيز بلا تفكير: “أعمل البدري .. طبعا”، عملا بفآل المراكبي الذي طلب منه أن يمثل دور صعيديا لأنه “خايل” في الجلباب الصعيدي.

عبد العزيز
عبد العزيز

مثله مثل كل المصريين، يبعد عبد العزيز زوجته وأسرته عن عمله، فلن تجد حوارا مع عبد العزيز يتحدث فيه عن أسرته، ولن تجد زوجة عبد العزيز رغم عملها الإعلامي تتحدث عنه، ولن تجده بطلا لخلاف أسري على مجلات الجرائد والصحف ولا يتاجر بأسرته من أجل ركوب الترند، قد لا يعرف الفنان أحمد عبد العزيز ما هو الترند من الأساس.

احمد عبد العزيز كان مصريا مثل كل المصريين، ممثل محبوب، قادر على تقديم كافة الأدوار وفقا للأمكانيات المتاحة، هو أبو زيد الهلالي الذي اتعبه ماكياج الشخصية فقرر تركها ليقتنع المصريين أنه أفضل من قدمها، هو يوسف عباس الضو، الذي أراد إيصال رسالة للمصريين “قولهم محاربناش يا يوسف”، هو البدري أبو بدار الهواري الذي ظل يبحث عن وردة وأبكانا عندما وجدها، لدرجة أنني اسميت أختي الصغيرة وردة على اسم بطلة المسلسل.

عبد العزيز
عبد العزيز

يقول المخرج مجدي أبو عميرة صديق وشريك مشوار أحمد عبد العزيز عن “أفورة عبد العزيز”، في تصريحات لموقع إعلام دوت كوم: “هو ممثل من العيار الثقيل، وكان في بعض الفترات حلم كل فتاة أن تلتقط صورة معه، دا عمل شخصية يوسف عباس الضو حلو جدا، وأنا مقتنع به جدا لذلك عملنا معا أكثر من مسلسل.

أما عن الأفوة فحديث المصريين عنها سببه تعلق المصريين بالشخصيات التي قدمها عبد العزيز، وسبب شعور بعض المشاهدين بـ”الأفورة” في أداء عبد العزيز، قد يرجع لكونه ممثل ومخرج مسرحي في الأصل، لكنه يقدم ذلك في إطار المبالغة المقبولة التي تضفي ثقل كبير على الشخصية.

مع بداية ظهور الإنترنت وانتشار صفحات الكوميكس بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، كانت السخرية في أوجها، السخرية من أي وكل شيء، وهي مرحلة منطقية نتيجة لكبت لعقود التي مر بها المصريين، السخرية لكي تنتشر لا بد أن تطال رمز، رمز سياسي، ورمز فني، ورمز رياضي، وأزمة أحمد عبد العزيز أنه كان رمزا، رمزا لمرحلة بحلوها ومرها، بجيدها وسيئها، رمزا لجيل كامل كان أحمد عبد العزيز يقف في مقدمته.

لم يغضب أحمد عبد العزيز عندما سأله رامي رضوان عن اتهامه بالأفورة، لكنه ضحك، ضحك من قلبه بلا تمثيل ولا رياء، وقال له: “أنا بالعكس بفرح بالتريقة على الحاجات دي لأنها بتديني دليل على تأثير هذه الشخصية على الناس، ووجود الشخصيات دي في الوجدان، احنا في مصر لو ملقناش حاجة نقول عليها نكت هننكت على نفسنا، المصريين أصلهم دمهم خفيف.

لم يقاضي عبد العزيز أحد، يكفي أن الدكتور والكاتب الساخر الجميل أحمد عاطف أصدر كاتب كامل كان الفنان أحمد عبد العزيز مادته الساخرة، لكن عبد العزيز لم يرد ولم يغضب، ولم يخرج في ألف برنامج يتحدث عن مؤامرة كونية للتخلص منه، لكنه فضل الصمت ولو قرأ الكتاب لضحك.

احمد عبد العزيز مثله مثل والدك الذي قرر أن يدخل عالم الإنترنت متأخرا، حتى انه رد على سؤال إعلامي عن علاقته بالفيس بوك: “لحد رمضان اللي فات مكنتش أعرف عنه حاجة”، وحتى عندما دخل عالم الإنترنت لم يتفاعل مع الفيس بوك، وقرر أن يحجز له مكان وسط الشباب.

كانت “الآفورة”، في الأداء سمة العصر، هي أشبه بالصور القديمة التي تنظر اليها وتسأل نفسك “هو أحنا كنا عاملين كدا ليه”، أزمة أحمد عبد العزيز أنه كُتب عليه أن يكون رمزا.. رمز لجيل .. رمز للمصريين، وحتى رمزا للأفورة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!