لا يوجد فيلم تعرض لمنع ومضايقات مثل فيلم الرسالة، الذي رفضه الجميع، وهاجمه الجميع، بسبب وشاية ظالمة، الفيلم كان يحمل اسم محمد رسول الله، وانتشر الخبر أن الفيلم من بطولة أنتوني كوين، لكن الخبر نُشر كالتالي: “أنتوني كوين يجسد شخصية النبي صلى الله عليه وسلم في فيلم “محمد رسول الله”، فهوجم الفيلم أشد هجوم ومنع من العرض في مصر لأكثر من عشرين سنة، وحتى الآن لا يُعرض على القنوات الرسمية.
الفيلم كان من إنتاج ليبيا والكويت والمغرب، وتدخل كل دولة بحصة من المال تزيد عن 3 مليون دولار، ووضع مبلغ الوديعة في بنك في سويسرا (10 مليون دولار)، غير قابلة للسحب نقدا، لكن تسحب لكي يُنفق منها على الفيلم، انسحبت الكويت من الفيلم إرضاءا للسعودية التي منعت الفيلم ومنعت التصديق عليه، ورفضت حتى قراءة السيناريو، وافق الأزهر على الفيلم بعد مشاركة جماعة من علمائه في كتابته، وختم على كل ورقة من أوراق السيناريو، وشارك في كتابته توفيق الحكيم وعبد الحميد جودة السحار وعبدالرحمن الشرقاوي ومحمد علي ماهر مقدم البرامج الدينية الشهير، واستشارة تاريخية لأحمد شلبي، وكتب السيناريو والحوار الأمريكي من أصل إيرلندي هاري كريج، ومن إخراج وإنتاج مصطفى العقاد الذي خاض حربا من أجل إنهاء الفيلم، وانتهت حياته نهاية لا يستحقها.
كان هناك مؤتمر لقادة العالم الإسلامي، ورفض الملك فيصل دخول المغرب، قل أن يُطرد فريق تصوير فيلم الرسالة (وفقا لشهادة مصطفى العقاد)، فخرج فريق الفيلم صوب ليبيا القذافي، كان هناك أزمة كبرى هي نقل كل روكورات وأماكن التصوير لليبيا، وهو ما يتطلب مبالغ مالية، طلب مصطفى العقاد لقاء القذافي، الذي قال له: “فرجني اللي صورته”، فعرض له لقطات للمسلمين يكبرون الله أكبر، فردد القذافي معهم: “الله أكبر” حينما شاهد المسلمين يكبرون أثناء رجمهم من قِبل مشركين مكة، فقال القذافي لعبد السلام جلود: “اعطيهم اللي يريدونه”، بعدها طلب العقاد من القذافي رجال للتصوير، فقال له القذافي: “بعطيك من الجيش”، فقال له العقاد: “الجيش صغيرين وملامحهم ناعمة، وأريد رجال ملامحهم منحوتة لكي يصلحون للتصوير، فطلب من جلود أن يمده بقوات المقاومة الشعبية.
وكان هناك مشكلة خاصة ي توفير المشروبات الكحولية، التي يتناولها ممثلو هوليوود والفنين الأجانب في الفيلم، إلا أن “القذافي” سمح لهم بتناولها ولكن في مخيم خاص بهؤلاء الفنانين دون أن يغادروه أثناء الشراب.
كان مقررا أن يقوم الفنان عمر الشريف بتقديم الآيات القرانية بصوته، وأن الفنان العالمى أنتونى كوين سيستعير صوت عمر الشريف، وسيتم وضعه عن طريق المونتاج على شفاه الممثل العالمى الذى يؤدى دور سيدنا حمزة ابن عبدالمطلب أسد الله، عم النبي محمد عليه الصلاة والسلام، لأن كوين، قال لهم أن نطقه للعربية سيؤدي لفهم خاطئ للآيات، لكن هذا لم يتم، وتم الاستعانة بالفنان محمود ياسين لدور الراوي في الفيلم بسبب شدة اتقانه للغة العربية وسلامة مخارج ألفاظه.
المشاهد المحذوفة من الرسالة
على الرغم من موافقة الأزهر الشريف على سيناريو الفيلم، إلا أن هناك 3 مشاهد تم حذفها من الفيلم بعد تصويره، فوفقا لمنى واصف في برنامج مقص الرقيب من تقديم محمد سعيد محفوظ والذي عُرض على (إي أر تي)، تم حذف 3 مشاهد هي مشهد لصيد الصقور تقوم به هند بنت عتبة (جسدتها منى واصف)، وأثناء الصيد يشاهدها حمزة، ويحدث بينهما حوار والحوار قد يفهم منه أن هناك علاقة حب بين هند وحمزة، فتم حذفه، وأيضا تم حذف مشهد تحطيم الأصنام حتى لا يقول العالم الغربي أن العرب متخلفين، لأن الأصنام كانت تشبه الفن التشكيلي الذي كان يعيش ثورة رواج في هذا الوقت، رغم إن المشهد تم تصويره في يومين، لكن تم حذفه في المونتاج، وهناك مشهد ثالث أثناء تجهيز هند لوالدها في الحرب، والمشهد صور هند وهي تقول شعر يشجع والدها على الحرب، لكن العقاد حذف المشهد حتى لا يتم التعاطف مع هند.
سبب منع فيلم الرسالة
ترى منى واصف أن سبب منع الفيلم في الدول العربية، ظهور سيف علي المسمي بذو الشعبتين، وكذلك ظهور حمزة وقالت لأن حمزة من العشرة المبشرين بالجنة، وهي معلومة خاطئة، فحمزة ليس من العشرة المبشرين بالجنة، لكن السبب الثالث الذي ترى منى واصف إنه السبب في منع الفيلم، هو ظهور الناقة التي كان يركب عليها النبي محمد في الفيلم.
وقالت منى واصف إنها حزينة لمنع الفيلم في مصر، وعندما قال لها محمد سعيد محفوظ إن الفيلم ممنوع من العرض في سوريا، رفضت الإجابة والتعليق عن هذه النقطة.
عُرض الفيلم باسم محمد رسول الله، وأقام المخرج عرضا خاصا للفيلم في لندن، لكن هاجمه المتشددين، حتى استطاع اقناعهم بمشاهدة الفيلم، ولو كان فيلما سيئا سيقوم بحرقه، بعد الفيلم بكى الجمهور الذي شاهد الفيلم، لكن طلبوا منه تغيير اسم الفيلم، لأنه لا يجوز وضع اسم محمد صلى الله عليه وسلم في نوادي السينما والبارات والأماكن التي ستعرض الفيلم، كان رأي العقاد أن وجود اسم النبي مهم في هذه الأماكن لهدايتهم، لكن أحدهى بكى وتوسل لتغيير اسم الفيلم، فقال العقاد: “لمست صدقا في كلامه”، فغيرت اسم الفيلم للرسالة.
حاول العقاد عرض الفيلم في إيران، فطلب المجلس المختص تغيير صيغة الاذان، وأن يضيف جملة علي ولي الله(يضيف الشيعة جملة أشهد أن علي ولي الله، وفي رواية آخرى أشهد أن أمير المؤمنين علي ولي الله”، لكن فجأة قامت ثورة الخميني، وعُر الأمر على الخميني الذي قال لهم:”الفيلم يناقش فترة الرسالة، ووقت الرسول لم يكن هناك سنة لا شيعة وصرح بعرضه”،، بعد أن اشتراه موزع إيراني بمليون دولار وهو رقم فلكي بحسابات التضخم.
بقى أن نشير أن صاحب شخصية وحشي في الفيلم هو سالم قدارة، وكان كهربائي بالفندق الذي يقيدم فيه العقاد، ورأي العقاد فيه عيون حادة ووجه عنيف، وعرض عليه التمثيل فوافق، وأثناء تصوير مشهد اغتيال حمزة، كان من المقترض أن يمر وحشي بين المتقاتلين ليقتل حمزة، حاول وحشي المرور بين المتحاربين لقتل حمزة 3 مرات، وفي كل مرة يحاول وحشي المرور يمنعه المجاميع، حتى اوقف العقاد التصوير وسألهم، فقالوا له لا نريده أن يمر كي لا يقتل حمزة.
مات سالم قدارة سنة 2000، والرسالة هو العمل الوحيد الذي شارك فيه فنيا، لكن هناك قصة ظريفة أن والدة سالم عندما رأت الفيلم طردته من المنزل، وقالت له: “تقتل عم رسول الله يا كافر”، ومنعته من دخول البيت، فاستعان بالشيوخ ليخبرها أنه لم يقتل حمزة، ولكنه جسد قصة قاتله فقط.
استخدم العقاد العديد من الحيل الدرامية في التصوير، فاتسخدم حيلة درامية لكي يصور فرحة دخول المسلمين لمكة، حيث قال للمجاميع غدا ليس هناك تصوير وإنما هناك مناسبة ميلاد الملك الحسن الثاني ملك المغرب، وسوف يأتي قائد قوات الجيش المصري الذي عبر القناة، وقائد القوات السوري الذي عبر الجولان، ووضع كاميرات مخبأة اسفل المنصة، وألبس عبد الله غيث لباس ضابط مصري وطلحت حمدي ألبسه لباس ضابط سوري، ووضعهم بسيارات وبعض المجندين المغاربة يركضون حولهم، فدخلت المجاميع في فرحة عامرة لان الحدث كان بعد حرب اكتوبر مباشرة، وحملوا سيارة عبد الله غيث من الارض من الفرحة.
ووقف عبد الله غيث يخطب في المجاميع ويخبرهم باحاديث كاذبة مختلقة عن عبور القناة بصفته قائد في الجيش، لكى يلتقط لهم مصطفى العقاد لقطات وهم فرحين لكي يوظفها في افتتاح مكة، وهي اللقطات التي وضعها العقاد في الفيلم، أي أنه أثناء مشاهدة فتح مكة ستعرف أن المجاميع وقتها كانت فرحة بأخبار انتصار حرب أكتوبر.
أما حيلة البكاء في خطبة الوداع، فاستعان العقاد بحكواتي مغربي لكي يحكى للمجاميع قصة مبكية، فقال له العقاد لو أبكيت هؤلاء ساعطيك عطية كبيرة، وعرفه للناس باسم الشيخ حسن المكي، وحكى لهم قصة اخر ايام الرسول قبل وفاته، وسمع المجاميع القصة وظلوا يبكون وهي اللقطات التي تم تسجيلها في مشهد خطبة الوداع.
عُرض الفيلم في البداية في 1600 صالة في امريكا، ثم زيدت لـ 2400 صالة، لكن جماعة من المسلمين المتشددين هددوا بحرق أي صالة تعرض الفيلم، فتم رفع الفيلم من دور العرض، والفيلم تسبب في كراهية شديدة لشخصية هند بنت عتبة ووحشي، لأنه أنهى الفيلم دون أن يكمل قصتهم، فكلاهما أسلم، وحسن إسلامه، في قصة سنرويها في المقال القادم.
بقى أن نشير أن الفيلم تم تقديمه بنسختين، وشارك في النسخة العربية عدد كبير من الفنانين العرب، منهم عبد الله غيث، في دور حمزة بن عبد المطلب، سناء جميل، في دور سمية، منى واصف، في دور هند بنت عتبة، عبد البديع العربي، في دور عتبة، عبد الوارث عسر، في دور ياسر، عبد الرحيم الزرقاني، في دور أبو طالب، أشرف عبد الغفور، في دور مصعب، علي أحمد سالم، في دور بلال بن رباح، وغيرهم، وشارك في النسخة الإنجليزية كلاً من أنطوني كوين، في دور حمزة بن عبد المطلب، أيرين باباس، في دور هند بنت عتبة، مايكل أنسارا، في دور أبو سفيان، روبرت براؤن، في دور عتبة، روزالي كروتشلي، في دور سمية.
وفي 9 نوفمبر 2005 قُتل العقاد مع ابنته ريما إثر انفجار إرهابي وقع في فندق حياة عمان. حصل الانفجار الناتج عن عملية انتحارية لحظة وجود العقاد في بهو الفندق لاستقبال ابنته القادمة للتّو من السفر. توفّيت ابنته ريما في الحال، بينما مات هو بعد العملية بيومين متأثراً بجراحه، تاركاً وراءَه فيلمي عمر المختار والرسالة وأحلاما ما زالت معلقة، حيث كان يحضر فيلما عن صلاح الدين الأيوبي، وفيلما عن فتح الأندلس.
والآن شاهد هذا المشهد لعدب الله غيث وانتوني كوين سويا وهما يؤديان نفس المشهد، وقل لنا من أعجبك.
أقرا أيضا
