تقاريرسلايد

زيارة إلى أبي العلاء المعري.. أكبر حائر في التاريخ الإسلامي

صاحب أشهر بيت في الشعر العربي

كتب – أحمد المرسي

يعتبر أبو العلاء المعري واحد من أكثر شعراء التاريخ كآبة. فنظرته التشاؤمية في الحياة كانت شديدة وقاسية. حتى على نفسه. وربما يأتي ذلك بسبب صروف الدهر التي عاشها.

مات أبو العلاء وهو يبلغ من العمر 86 عامًا. وكان زاهدًا لا يأكل اللحم ولا السمن. ولا اللبن، ولا البيض ولا العسل، ولا يلبس غير الخيش. وكان متشائمًا لدرجة أنه نادى بعدم الإنجاب. فمن هو وما هي الظروف التي وصلت به إلى تلك النظرة للدنيا.

مولده وإصابته بالجدري

في صغره أحمد بن عبد الله بن سليمان – والذي سيكنى بعد ذلك بأبو العلاء، والمعري، نسبة إلى مسقط رأسه “معرة النعمان” في سوريا – أصيب بالعمى. ويقول بعض المؤرخين أنه ولد أعمى، والبعض يقولون أنه فقد بصره في عمر ثلاث سنوات.

لم تكن تلك آخر مصائب أبي العلاء، ولكنه أصيب بعد ذلك بالجدري، الذي تسبب في أن تصبح إحدى عينيه بيضاء، والأخرى غائرة، وظهر فوق أديم وجهه أثر الجدري. فيقول المؤرخ ابن منقذ، الذي رآه وهو صبي دون البلوغ، ووصفه قائلًا: “وهو صبي دميم الخلقة، مجدور الوجه، على عينيه بياض من أثر الجدري، كأنه ينظر بإحدى عينيه قليلًا”.

رجُلٌ مُصابٌ بِالعمى بِسبب الجدري. يُلاحظ أنَّهُ أُصيب بذات العاهات التي ذكر المُؤرِّخون ظهورها على أبي العلاء: ابيضاضٌ في عينٍ وغور الأُخرى، وتجدُّر الوجه.
رجل مصاب بالعمى بسبب الجدري ويلاحظ أنه أصيب بالعاهات التي ذكرها المؤرخون في أبو العلاء من ابيضاض أحد العيون وغور الأخرى.

وقد كان لهذا التشوه كبير الآثر في نفس أحمد بن عبد الله، فقال ذات يوم “أنا أحمد الله على العمى كما يحمد غيري على البصر، فقد صنع لي وأحسن بي إذ كفاني رؤية الثقلاء البغضاء”.

لم يعرف أبو العلاء المعري من الألوان غير الأحمر، حيث يقول أنه عندما أصابه الجدري في صغره، ألبسوه ثوبًا بهذا اللون، فلما يعرف اسم لون غيره.

نظرته التشاؤمية للحياة

كان أحمد بن عبد الله واحد من أفضل الشعراء في التاريخ الإسلامي وأكثرهم فلسفة، حيث قال في أحد بأبياته:

“خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا هذه الأجساد”. ناهيًا المغرور عن غروره.

رفض أبو العلاء الإنجاب، لأن الحياة لا تستحق في نظره بألمها أن يعيشها الإنسان. فأنشد يقول:

ما يأخذ الموت من نفس لمنفرد
شيئا سواها اذا ما اغتال واحتشدا
ما يعني أن الموت لن يستطيع أن يأخذ منه شيء، حيث أنه نفسًا منفردة، ليس معه شخص، أو شيء، فهو لن يأخذ إلا نفسه. فليأخذها.
ومن شدة استهانته بالموت قال:
لو يعقلون لهنوا أهل ميتهم
ولم تقم لوليد فيهم البشر
أي أن الناس يجب أن يهنوا أهل الميت، ولم يقيموا الأفراح لميلاد مولود لهم.
تمثال لأبو العلاء المعري
تمثال لأبو العلاء المعري

 

التمثال بعد أن قطع رأسه الدواعش في سوريا
التمثال بعد أن قطع رأسه الدواعش في سوريا

الحائر في الله

قال البعض أنه كان ربوبيًا أي أنه يؤمن بوجود الله، لكنه يرى أن الديانات مجرد أوهام كاذبة. ولشدة كرهه لحياة كان دعاءه:

ربي متى أرحل عن هذه الدنيا
فإني قد أطلت المقام 
ولكن لأبو العلاء المعري أبيات شعر تدل على أنه لم يؤمن، ومنها:
تحسب مقال الرسل حقا؟
ولكن قول زور سطروه 
فكان الناس في عيش رغيد 
فجاؤوا بالمحال فكدروه
ولكن أمر كفره كان غير محسوم حيث ينسب له كذلك أبيات قال فيها:
ومتى ذكرت محمد وكتابه 
جاء اليهود بجحدها وكتابها 
أفمله الإسلام ينكر منكر
وقضاء ربك صاغها وأتى بها.
ويقول صلاح الدين الصَّفدي: أبو العلاء المعري كان في حيرة”. أي أنه كان شاك. لا يعرف الحقيقة، ومرتاب فيها.

في موته

عندما جاء موت أبو العلاء المعري أوصاهم بكتابة بيت على قبره قال فيه
هذا ما جناه عليّ أبي 
وما جنيت على أحد
وهو بيت شعر يعن أن العذاب الذي عاش فيه طوال حياته كان بسبب أبيه، ولكنه يبرأ ذمته لأنه لم يأتي بأحد إلى تلك الدنيا ليرى العذاب الذي رآه.

قبر أبو العلاء
قبر أبو العلاء

أقرأ أيضًا:

مارجريت فهمي.. قضية مقتل الأمير الشرقي على يد ابنة السائق الفرنسية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!