تقاريرسلايد

“زبيدة”.. قصة المصرية التي تزوجت قائد الفرنسيين وتركها تموت جوعًا في شوارع مارسيليا

"زبيدة".. قصة المصرية التي تزوجت قائد الفرنسيين وتركها تموت جوعًا في شوارع مارسيليا

كتب- أحمد المرسي

 

تعتبر الحملة الفرنسية واحدة من نقاط التحول الفارقة في تاريخ مصر، والشرق الأوسط بشكل عام، ويعتبرها عدد من المؤرخين، الحدث الذي تتحول منه مصر إلى الحداثة، بينما يعتبرها أخرون مجرد عدوان غاشم، ولكن ما يهمنا هنا قصة أخرى، هي قصة زبيدة بنت محمد البواب.

الجنرال المسلم

كان جاك فرنسوا مينو جنرالًا عسكريًا كبيرًا في الجيش الفرنسي الذي أتى لاحتلال مصر  بقيادة نابليون في الحملة الفرنسية. وسمي بجيش الشرق.

وقد كان متحمسًا لاستعمار البلاد بشكل كبير. راغبًا في صبغها  بالصبغة الفرنسية. واعتبارها قطعة من فرنسا.

في سبيل ذلك سعي مينو – حاكم مدينة رشيد – لتحقيق أهدافه قررا أن يتزوج من مصرية. للتقرب من المصريين أكثر. بحسب ما أفادنا الأستاذ عبد الرحمن الرافعي في كتابه “تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم في مصر”. وكان ذلك بعد مغادرة نابليون بونابرت مصر. وتركه للحملة تحت قيادة جان بابتيست كليبر.

لم تكن زبيدة هي المرأة التي أراداها مينو بعينها. ولكنه كان يهدف من الزواج بامرأة من عائلة كبيرة ويفضل أن تكون له صلة قرابة بالسلالة النبوية.

وقد وضع أمامه اختيارين من نساء رشيد. الأولى هي ابنه عميد أسرة الجارم العريقة. ولكن الشيخ سد الطريق أمام مينو وزوج ابنته. ليتخلص منه. ولم يجد مينو أمامه غير زبيدة بنت محمد البواب.

جميلة جميلات رشيد

لم تكن تلك الزيجة الأولى لزبيدة، فقد تزوجت من قبل سليم أغا نعمة الله، وهو واحد من المماليك الآثرياء. ولكن حدث بينهما انفصال. بعد عام واحد فقط.

وافقت عائلة البواب على زاوج ابنتهم من الجنرال بشرط إسلامه. وهو ما وافق عليه مينو. وتم عقد زواجه عليها. بعد أن أسلم وتسمى باسم “عبد الله باشا مينو”. وعقد زواجه عليها بتاريخ 2 مارس 1799.

بصداق يصل إلى 100 محبوب، وهي عملة ذهبية، ونظير فراقه يدفع لها ألفين ريال، وإذا مات وهي على عصمته تأخذ من ماله ألفين ريال.

يظهر عقد الزواج انها كانت اصغر منه ب30 سنة. واذا وضعنا في الحسبان أن مينو كان يبلغ من العمر 49 سنة فإن عمر زبيدة لم يكن يتجاوز 21 عامًا في ذلك الحين.

ردود الفعل المصرية والفرنسية

لم يهتم المصريون كثيرًا باعتناق مينو الاسلام أو زواجه بمصرية. حتى أن عبد الرحمن الجبرتي قد ذكر الأمر اقتضابًا في تاريخه المفصل، ولم يذكر اسم زبيدة من الأصل، بل عبر عنها بعبارة “تزوج امرأة من رشيد”.

فيما كانت ردود الفعل الفرنسية مختلفة حيث قال الضابط جوزيف ماري مواريه في مذكراته أن تحول مينو للاسلام لم يعجب الجنود الفرنسيين، وأنه اصطدم بجذووة أفكارهم الدينية. فيما رأى البعض ان الأمر غير مهم بسبب قيم الثورة الفرنسية التي كانت ترى أن ذلك من صميم حريته.

كيف رأى مينو زبيدة

بعد زواج مينو من زبيدة كتب لأحد أصدقاءه: “زوجتي طويلة القامة، مبسوطة الجسم، حسنة الصورة من جميع الوجوه، لها عينان رائعتان، ولون بشرتها هو اللون المصري المألوف، وشعرها طويل فاحم، وهي لطيفة الطبع، وجدتها تتقبل كثيرًا من العادات الفرنسية بنفور أقل مما توقعت، وأنا لم ألح عليها بعد في الخروج سافرة على الرجال، ولن أنتفع بما أباحه النبي من الزواج بأربع نساء، فإن في زوجة واحدة أكثر من الكفاية”.

وقد رأى بونابرت في ذلك الزواج تضحية في سبيل الوطن، وقد أرسل يهنيء مينو به.

عاشت زبيدة مع مينو، وقد عاملها معاملة السيدات الفرنسيات، وبحسب الاتيكيت الفرنسي، وكان ظهورها بين النساء وزوجها يسحب لها الكرسي لتقعد مثار حديث كثير. فقد حسدها البعض على ذلك.

وبعد عام من الزواج أنجب مينو من زبيدة ابنه “سليمان”. ويشير البعض أنه سماه بهذا الاسم حبًا في سليمان الحلبي، الذي قتل سابقه كليبر. والذي لم تكن علاقته به على ما يرام.

منزل زبيدة في رشيد

سفر بلا عودة

مع هزيمة الفرنسيين. وخروج الحملة في 1801، غادر الجنرال مينو مصر على متن سفينة بريطانية ومعه زوجته وابنه.

نزلت زبيدة في البداية مع طفلها بمدينة مارسيليا، وتركها مينو هناك ليتولى إدارة حكم مدينة بيمونتي في ايطاليا. وتركها هناك وحيدة.

لم تكن  زبيدة تعرف اللغة الفرنسية. ولم يكن معها من أهل بلادها غير خادم وحيد. يذكرها بماضيها. لم تمضي سوى فترة قليل حتى علمت بأن زوجها يعيش حياة العربدة هناك، ويقضي وقته في الحانات. ومع العاهرات تاركًا زوجته وابنه وسط الديون.

نهاية محزنة

عاد مينو من سفره وارتد عن الاسلام، ثم أجبرها كذلك على اعتناق المسيحية، كما اشار رفاعة الطهطاوي. بأن أحضر لها مستشرق فرنسي شهير. يعرف كيفية الحديث، وأخبرها أن الله واحد، وكل الديانات جائت منه، فدخلت المسيحية. ثم أخذ ابنها منها، وقام بإعطائه لعائلة فرنسية من أجل أن يتربى على الطريقة الفرنسية. ويتم تعميده.

وتذكر المصادر القليلة ان مينو سافر إلى البندقية بعد ذلك. ثم تم طرده من الخدمة العسكرية بسبب سوء أخلاقه، وأعيد إلى باريس. في تلك الفترة أنجبت منه طفلًا آخر. ومات في 1810.

عاشت بعد ذلك زبيدة وحيدة. لم تستطع العودة إلى مصر. وتقول بعض المصادر أنها عاشت حياة الفقر والشحاذة. وأنها كانت تتسكع في شوارع مارسيليا. وتقول بعض المصادر والتي لم يتم تأكيد صحتها أنها عملت بمهنة البغاء.

ولكن المؤكد أن نهايتها كانت مأساوية بائسة بأن ماتت وحيدة بعيدة عن ابنها ووطنها. فقيرة معدمة. والأكثر قسوة أنها ماتت خائفة!.

أقرأ أيضًا:

مارجريت فهمي.. قضية مقتل الأمير الشرقي على يد ابنة السائق الفرنسية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!