تقاريرسلايد

إقطاعيون ما بعد الثورة.. قصة صلاح حسين شهيد الفلاحين

وهذه شاهندة مقلد

كتب – أحمد المرسي

في كتاب تبلغ عدد صفحاته 423 بعنوان “من أوراق شاهندة مقلد”، من إصدار دار ميريت، سردت السيدة شاهندة زوجة صلاح حسين قصة مقتل زوجها على يد عائلة الفقي في ستينات القرن الماضي، تلك القصة التي حملت عنوان مقاومة ونضال ضد الاستبداد والإقطاع. قصة تعطينا صورة أخرى عن ثورة يوليو وعن تاريخنا الحديث بشكل كامل.

تبدأ القصة في قرية كمشيش التابعة لمركز تلا بمحافظة المنوفية، في زمن أحمد عرابي وتحديدًا في عام 1882، وهو ذاته العام الذي احتلت فيه انجلترا مصر، عندما كان “السيد الفقي الأكبر” يعمل كاتب في دائرة ملتزم المنطقة، والذي كان أميًا، وقد استغل السيد الفقي ذلك، وكان يوقع كشوف الخراج والضرائب للوالي باسمه فأصبح أمام الدولة هو الملتزم الأصلي، بينما يدفع الملتزم الحقيقي ما عليه للدولة. وأصبح اسمه هو الاسم الرسمي في الدواوين، وقام هذا الرجل كذلك بالزواج من أخت الملتزم الأصلي، حتى يتجنب غضب هذا الملتزم عندما اكتشف عملية النصب تلك.

في صيف 1882 كانت مصر في مواجهة كبيرة بين الخديو توفيق والإنجليز من جهة وأحمد عرابي والجيش من جهة أخرى، وقد انضمت اسرة الفقي مباشرة إلى جانب الخديو والاحتلال الإنجليزي، وبدأت الأسرة تراكم الثروة الكبيرة في كمشيش، بل وسيطرت على القرية بالكامل، حتى وصل الأمر إلى أن يكون لديهم سجن خاص بين اسوار بيت العائلة من أجل تنفيذ عقوبات آل الفقي على الفلاحين. وامتد ذلك الوضع لتأييد محاكمة الفلاحين في دنشواي سنة 1906، وإمداد القوات الإنجليزية بالتموين والغذاء.

صلاح حسين
صلاح حسين

بعد ثورة 1952

بعد ثورة يوليو الشهيرة أقر جمال عبد الناصر قانون الإصلاح الزراعي والذي نص على توزيع الأراضي الزراعية على الفلاحين بعد اخذها من أيدي الرأسمالين الكبار، ولكن أسرة الفقي استطاعوا بكل سهولة الإفلات من طائلة هذا القانون بالاحتيال.

إلى ذلك الحد قد تكون القصة معقولة، ولكن تسبب في الانفجار كان شاب مصري يافع متعلم هو “صلاح حسين”. والذي كان حاضرًا في عزاء أحد الفلاحين وهو “محمد سلامة” والذي تعرض للإهانة والحبس في قصر الفقي، فأمسك صلاح بالميكروفون الذي كان المقريء يقرأ فيه القرآن، وخطب فيهم مطالبهم بالثورة على الظلم، وقال أن الثورة جاءت لتغير كل هذا، ولكن عائلة الفقي لازالوا يعيشون على السخرة ودماء الفلاحين. انطلق الثورة في دماء الفلاحين الغاضبين وتظاهروا في كمشيش فأغلقت العائلة مداخل ومخارج القرية من أجل أن لا تصل الأخبار إلى الحكومة في مصر.

من بين هؤلاء الفلاحين استطاع طالب صغير أن يعبر النهر بملابسه، وأن يهرب يوصل الخبر إلى شقيق صلاح، في قرية مجاورة، وقد استطاع هذا الأخ في أن يبلغ النيابة عن ما حدث. فتدخلت الحكومة لحل هذا النزاع وفيما بعد أغلقت التحقيق وأفرجت عن من سجن من القرية.

أنور السادات في الصورة

كان السادات هو من أذاع بيان الثورة في 23 يوليو، وقد ارتبط اسمه بكمشيش منذ وقت مبكر للغاية، حتى قبل الثورة، فبالإضافة إلى كون قريته ميت أبو الكوم تقع بجوار كمشيش، كان السادات له رغبة في مصاهرة أسرة الفقي قبل زواجه من جيهان صفوت رؤوف التي عرفت فيما بعد بجيهان السادات.

في عام 1954 أرسل السادات مفوضًا من الحكومة لقرية كمشيش من أجل المفاوضات، فنزل في بيت الفقي، وطلب كبار الفلاحين من أجل التفاوض، ولكن الفلاحين رفضوا الحضور إلى بيت الفقي لأن هذا يعتبر ظلما لهم، حيث يأخذ أحد الجانبين، فأشار عليهم بوضع خيمة في منطقة وسط، وجاء الفلاحون الذين قالوا أن مشكلتهم مع الأقطاع وليس مع آل الفقي، ولكن كانت النتيجة هي سجن 20 فلاحًا وإرسالهم إلى سجن قنا 20 شهرًا.

صورة تضم السادات مع عائلة الفقي
صورة تضم السادات مع عائلة الفقي

تدخل البكباشي عبد الحميد شوقي مقلد والد شاهندة وخال صلاح حسين وهو ضابط شرطة سابق معروف بميولة الوفدية منذ العهد الملكي، ينحدر من أسرة ثرية، وكان من أوائل المؤيدين للثورة، وقام عبد الحميد مقلد بإعادتهم إلى قريتهم. بعد مشاهدة معا السادات أرسل على إثرها برقية إلى الرئيس جمال عبد الناصر الذي استجاب إلى مطالبه. ولكن ما حدث بعدها بشهور أنه تم إعتقال صلاح حسين على إثر محاولة اغتيال عبد الناصر وهو ما عرف باسم حادث المنشية، وعلى الرغم من أن جماعة الإخوان المسلمين كانوا هم المتهمين الأوائل في تلك الحادثة إلا أنه قد تم الزج باسم صلاح حسين في القضية رغم أنه كتب في أجهزة الأم باعتباره شيوعيًا.

زواج شاهندة مقلد وصلاح

تقول شاهندة في كتابها أنها كانت على وشك الزواج من رجل آخر غير صلاح، والذي كانت تحبه منذ فترات طويلة قبل الثورة، وكان قد تطوع في شبابه في حرب 48 وحارب في فلسطين مع البطل أحمد عبد العزيز، وشارك في حرب 1956. ورفضت العائلة زاوج شاهندة من صلاح، ولكنها هربت له في الإسكندرية حيث كان يعيش، عضوًا في الحزب الشيوعي المصري المسمى “الراية”، وهي قوة اليسار المصري في ذلك الوقت. وعاشا سويًا. وشاركت معه في العديد من المظاهرات للدرجة التي تقول أنه كان يحملها فيها فوق كتفية خلال تلك المظاهرات.

استطاعت شاهندة أن تخترق أحد االمؤتمرات الحاشدة في محافظة المنوفية والتي حضرها مسؤولون سوريون في وقت الوحدة بين مصر وسوريا وقدمت مستندات تؤكد حدوث تهريب للإقطاعيين لمئات الأفدنة في قرية كمشيش وتهربهم من قانون الإصلاح الزراعي. وتحركت الهيئة العامة للإصلاح الزراعي ليتبين أن أسرة الفقي قد هربوا 389 فداناً من الأرض الزراعية. وتمسكت الأسرة بأوراق لها من رجال يوليو خاصة أنور السادات من أجل عدم تسليم تلك الأفدنة.

تصاعد الموقف وبدأ الفلاحين في استخدام المساجد من أجل عمل جبهة لمواجهة تلك الأسرة، وعندما زار عبد الناصر مع إرنستو تشي جيفارا قرية ميت أبو الكوم، سنة 1965 ألقت شاهندة بنفسها أمام موكبه وسلمته رسالة بها مطالب الفلاحين. ولكن لم يتم الالتفات إلى ما يجري.

اغتيال صلاح حسين

استطاعت أسرة الفقي افتعال مشاجرة في القرية، ليقوم أحد البلطجية بإطلاق النار على صلاح حسين، حيث يلقى حتفه، ويصبح شهيد الإقطاع بعد ثورة يوليو في 1966 وبعد قيام الثورة بـ 14 عامًا.

وفي خطابه الأول في عيد أول مايو 1967 أي بعد اغتياله على أيدي الاقطاعيين نعاه جمال عبد الناصر قائلاً:

«صلاح حسين استشهد بعد 14 سنة من الثورة، وده معناه أن لسه فيه رجعية»

@nasser.television

قصة صلاح حسين شهيد كمشيش

♬ الصوت الأصلي – Nasser TV

بعد موت صلاح حسين تشتعل الثورة في كمشيش ليصبح صداها أقوى، ولا تستطيع أجهزة الدولة تجاهل قصتها، فتقوم لجنة تصفية الاقطاع باستعادة الأرض المهربة، وتفرض الحراسة على أملاك عائلة الفقي، ويتم القبض على كبارها، وتوزع الأرض على الفلاحين، ويتحول قصر الفقي الشهير إلى قصر للثقافة ومركز للإعلام.

سلمت شاهندة مفتاح بيتها للجنة من الفلاحين فأسموه بيت الشعب، وطارت شهرة بلدة كمشيش إلى أخبار العالم، للدرجة التي زارها الفيلسوف الفرنسي الشهير “جون بول سارتر” عندما جاء إلى مصر مع “سيمون دي بوفوار”، وذهل من وعي الفلاحين هناك، فقال وهو يغادر:”اغادركم وقد تأثرت بفلاحي كمشيش وعمال مصنع كيما»،

بعد النكسة كونت شاهندة كتيةب من 50 فلاحًا وسافرت إلى بورسعيد لمساعدة الجيش هناك، ولكن بعد وفاة عبد الناصر وتولي أنور السادات مقاليد الحكم تم هدم النصب التذكاري الخاص بصلاح حسين، وصدر قرار وزير الداخلية بإبعاد 20 شخصًا من القرية من بينهم 3 نساء كان أولهن شاهندة مقلد.

لم يتوقف نضال شاهندة مقلد إلى هذا الحد ففي صورة شهيرة انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي في 2013 تظهر رجل ملتحي يحضر ما يسمى “النفير العام” والذي حضر بهدف تأديب المعارضين أمام قصر الاتحادية في 5 ديسمبر 2012. يكتم فم امرأة مسنة، ولكن إذا اقتربنا من الصورة بشكل كافي سنعرف إن تلك المرأة لم تكن إلا شاهندة مقلد!

توفيت شاهندة مقلد في عام 2016 بعد حياة ملأوها النضال.

اقرأ أيضًا: 
https://bthmoubasher.com/%d9%84%d8%aa%d8%b9%d9%8a%d8%b4-%d8%a3%d8%ad%d8%af%d9%87%d9%85%d8%a7-%d9%8a%d8%ac%d9%8a%d8%a8-%d8%a3%d9%86-%d8%aa%d9%85%d9%88%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ae%d8%b1%d9%89-%d9%82%d8%b5%d8%a9-%d8%a7/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!