تقاريرسلايد

بين الفحش والتوبة.. رحلة راسبوتين من سارق جياد لأخطر رجل في روسيا

بين الفحش والتوبة.. رحلة راسبوتين من سارق جياد لأخطر رجل في روسيا

كتب – أحمد المرسي

لم يثر رجلًا الجدل حوله أكثر ما آثار راسبوتين، الكثيرون قالوا أنه رجل دين خارق، لديه قدرات صوفية مختلفة. فيما قال آخرون أنه مجرد فاسق محتال، ولكن الحقيقة تقول أنه إنسان مختلف استطاع بدهائه أن يتحول من مجرد فلاح في سيبيريا لمستشار لقيصر روسيا.

سارق الجياد

ولد راسبوتين باسم “جريجوري يافيموفيتش” في سيبريا. وكان يرى رؤى خارقة، جعلته يشعر بأن قوى ما خارجية تتحكم فيه. للدرجة التي أشيع عنه أنه يمكن أن يشفي حصان بلمسة من يده.

لم يلبس الولد في مراهقته أن انخرط في علاقات مشبوهه، أكسبته اسمه “راسبوتين” والتي تعني “الفاجر” باللغة الروسية. ولم يلبث أن كبر وتزوج وأنجب أربعة أولاد. ولكن ذات يوم تم اتهامه بسرقة أحد الخيول، فقرر الهرب من قريته وترك أسرته وراءه.

رجل الدين والمعاصي

تنكر جريجوري في صورة راهب، وقام بعدة رحلات عبر روسيا، وكان يدعي أنه مجرد حاج. وقد وصل برحلاته الطويلة إلى جبل آثوس في اليونان.

وكان الرجل يقاطع الاستحمام ولا يبدل ملابسه دليلًا كراماته وزهده. كما أنه كان يربط نفسه بالسلاسل من أجل أن زيادة المعاناة التي كانت في نظره ستخلصه من الذنوب.

OLYMPUS DIGITAL CAMERA

الفاحشة والتوبة

انضم جريجوري لطائفة دينية هي طائفة “الخاليستي”. طائفة ظهرت في عام 1645. واستمر وجودها لنهاية القرن الـ 20.

وتعتبر طائفة منشقة عن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية. وتعتمد أشهر أفكارها على الانخراط في الممارسات الجنسية الفاجرة. ثم التطهر بتعذيب الجسد والجلد وتحمل المشقة. فكانوا يؤمنون بالتقرب إلى الله من خلال الخطيئة. ويرون أن الإنسان يجب أن ينخرط إلى أعماق الخطئية كي يفهم ما هي التوبة.

واصبح جريجوري واحد من طائفة الخاليستي. فوجد ما كان يريد من الفاحشة والعهر.

راسبوتين والصفوة الراقية

استطاع جريجوري التقرب من عالم لاهوت شهير. يعرف الامبراطورة ألسكندرا فيودورفونا. وكانت الطبقة الراقية في تلك الأثتاء تؤمن بالتنجيم والسحر والقوى الخارقة. ولذلك وجد راسبوتين الطريق ممهد له ولما يريده.

الأمير أليكسيس

أنجبت الإمبراطورة أربعة بنات، وكانت دائمًا تواقة لإنجاب الذكر الذي سيخلف الإمبراطور نيقولا الثاني. ويكون وريثًا لعائلة رومانوف العريقة.

عندما انجبت الإمبراطورة أخيرا الأمير أليكسيس اكتشفت أنه مريض بـ”الهيموفيليا” والذي ورثه عن جدته الملكة فيكتوريا. ملكة بريطانيا العظمى. وكان هذا المرض يعني نزيفه تحت الجلد. وظهور تورمات يتبعه شلل مصحوب بألم قد يؤدي للوفاة في أي لحظة.

وفي أحد الرحلات تعرض أليكسيس لذلك النزيف. مما جعله قاب قوسين أو ادنى من الموت. وعجز جميع الأطباء عن علاجه. ولكن أشار أحدهم على الإمبراطورة بالاستعانة برجل دين ذو قوى خارقة اسمه راسبوتين.

استدعى راسبوتين على الفور. وبالفعل نجح وبطريقة سحرية في شفاء الولد الصغير. وتقول أحد النظريات أنه استخدم التنويم المغناطيسي لإبطاء نبضه ومن ثم تقليل ضغط الدم وتخفيف دورانه في جسده.

منذ ذلك اليوم استولى الفلاح السيبيري على عقل الإمبراطورة.

راسبوتين والحكم

بعد تلك الواقعة اعتبرت الإمبراطورة راسبوتين مستشارها الأول. وقد أصابتها حالة من الهوس بقدراته الخارقة. وجعلته بجوارها دائمًا لينقذ الأمير الصغير في حال تعرض لوعكة. وتعرف في تلك الفترة على الطبقة الراقية. وأستطاع بذكاءه وجاذبيته الشديدة أن يستحوذ على عقول نساء العائلة المالكة. وهو ما أكسبه نفوذًا كبيرًا داخل الدولة.

روسيا والحرب وراسبوتين

كان الراهب الفاجر معترضًا على الحرب بين روسيا وألمانيا. خلال الحرب العالمية الأولى. وقد كتب للإمبراطور نيقولا الثاني أنه ضد تلك الحرب. وأنها لن تدر عليه غير الخراب. ولكن الرأي العام في روسيا كان يدفع الإمبراطور دفعًا نحوها.

مع مرور الوقت استطاع راسبوتين أن يكون صاحب نفوذ. للدرجة التي كان يتحكم فيها في القرارات السياسية الداخلية للبلاد. وأصبح يقوم بتعيين من يريده في المناصب التي يريدها. وزاد إلقاء اللوم عليه وتحميله نتيجة الأزمات التي تعيشها روسيا. بل سميت مدينة “سان بطرسبرج” التي يدير منها البلاد بمدينة “إبليس”.

نبؤة الموت

اكتسب الرجل بسبب أفعاله سمعة سيئة وسط العقلاء في الصفوة الروسية. وكان من ضمن هؤلاء الأمير فليكس يوسوبوف. في سان بطرسبرج.

والحقيقة أن وزير الداخلية في تلك الفترة استطاع أن يعرف أن هناك مكيدة لاغتيال راسبوتين وحذره وطلب منه أن يميل للعزلة. ولكن هذا لم يحدث.

تنبا جريجوري بالفعل بموته. وموت القيصر في رسالة قال فيها أنه إذا قتله أحد من أسرة القيصر، فسوف يقتل الشعب الروسي عائلته بالكامل. ويقتله.

الاغتيال

في شهر ديسمبر عام 1916 وضع الأمير يوسوبوف خطة مع مجموعة من المتآمرين لقتل راسبوتين. وكان من ضمنهم ضابط صغير يدعى سوخوتين. وطبيب يدعى لازوفيرت. وعدد من رجال الدوما أو “مجلس النواب”.

اتفق يوسوبف على دعوة الشيطان إلى قصرة بحجة أن زوجته إيرينا تريد أن تراه وتتعرف عليه. والحقيقة أنها في ذلك الوقت كانت في ضيعة بعيدة.

وبالفعل عندما دخل راسبوتين القصر قدم له الأمير الكعك الذي سبق ووضع به مادة سيانيد البوتاسيوم السامة. ولكن عندما تناول راسبوتين الكعك. لم يتأثر بالسم. فقدموا له كأسين من الخمر المسموم ولكنه لم يمت. في هذه اللحظة أصيب الأمير بالهلع. فصعد للطابق العلوي حيث كان الآخرون في انتظاره.

عندما دقت الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل، ودأ راسبوتين يشك في عدم وجود الأميرة. فقرر فليكيس أن ينزل ويطلق عليه النار. وعندما اقترح عليه أن يخرجوا سويًا لمشاهدة الغجر. استل الأمير مسدسه وأطلق عليه. فدار له راسبوتين، فتلقى رصاصة أخرى في صدره. واتسعت عينا الوحش بشكل مرعب وبدا كأنه سيقول شيء ما. ولكنه سقط أرضًا.

عندما سمع المتآمرون صوت الرصاص خرجوا. وجمعوا أغراض راسبوتين الذي كانت دمائه تصفى على السجاد الفاخر. وبينما ينحني أحدهم ليعاين جثته. فتح راسبوتين عينيه. وأمسك برقبته يريد خنقه.

صرخ الرجل : يا فليكس! ثم تمكن من الإفلات فانطلق راسبوتين للحديقة المتجمدة في هذه اللحظة بسبب بروده الشتاء، وهو يهذي: يا فليكس.. سأخبر زوجة القيصر!.

أطلق واحد من الضباط المتآمرين ويدعيى يرشيفكتيش النار على راسبوتين مرة أخرى، فسقط ، وانقض مع رجل آخر وضرباه ركلًا في وجهه، وبالهراوة وقيداه، وقلوبهم خائفة.

قرر الأمير ورجاله إلقاء راسبوتين في نهر نيفا. وهو ما حدث.

بعد يومين عثرت الشرطة على جثة راسبوتين، وبعد تشريحها وجدوا أن ما قتله لم يكن السم أو الرصاصات ولكن المياة التي تجمدت في رئتيه. وقال التقرير الطبي أنه كان لازال حيًا عندما ألقي في النهر!

روسيا بعد راسبوتين

غضبت الإمبراطورة التي كانت مهووسة بقدرات راسبوتين، ووضعت الأمراء الضالعين في قتله تحت الإقامة الجبرية.

وبالفعل أدى خبر قتل راسبوتين لحالة من الراحة لدى الأوساط الحاكمة الروسية والذي ضاقوا ذرعًا من تدخلاته الفجة في الحكم.

أدى مقتل راسبوتين لحالة من الغضب في أوساط الشعب الروسي. والذين كانوا يعتبرونه فلاحًا منهم. وصل للسلطة. ولذلك كان له جاذبية خاصة لديهم.

وبعد أقل من 18 شهر من قتل راسبوتين. ثار الشعب الروسي على قيصر روسيا. وقامت الثورة البلشفية. التي أدت في النهاية إلى مقتل القيصر وعائلته بالكامل في سيبريا. ونهاية حكم آل رومانوف لروسيا القيصرية.

أما عن جثه راسبوتين، المخيف ففي عام 1917 وخلال الثورة البلشفية قام بعض الثوار بنبش قبره، وإخراج رفاته وإحراقها على جانب الطريق.

نظرية المؤامرة

تقول أحد نظريات المؤامرة. أنه بعد تشريح جثة راسبوتين. وجدوا أن المسدس الذي تم إطلاق النار عليه هو مسدس بريطاني الصنع. وتقول بعض التحقيقات أن المخابرات البريطانية هي التي خططت لقتل راسبوتين. لأنه كان على وشك اقناع القيصر عن التخلي عن الحلفاء وعقد هدنة مع ألمانيا في الحرب.

 

أقرأ أيضًا:

قتل جماعي بعد منتصف الليل.. آخر يوم في حياة عائلة رومانوف

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!