تقاريرسلايد

إعدام سليمان داوود.. جاني أم مجني عليه؟

على هوامش الثورة العرابية

كتب – أحمد المرسي

تعتبر الثورة العرابية واحدة من أهم الأحداث التاريخية التي وقعت في مصر، وواحدة من أكثر تلك الفترات دراسة، ذلك لأن شخصية قائد تلك الثورة كانت مثيرة للجدل بشكل كبير، ولكن ليس هو فقط بل كثير من رجاله أيضًا، والذين كان من بينهم سليمان داوود.

مصر تغلي

في عام 1882 كانت مصر تغلي بالفعل، فبعد مظاهرة عابدين الشهيرة، والمواجهة التي خلقت وجود العرابيين ضد الخديو توفيق، أصبح لهم شعبية كبيرة في وسط الشعب المصري.

تبع العسكريين العرابيين الكثير من أفراد الشعب المصري، وصاروا يهتفوا باسمه وارتفع الحس الوطني والكراهية الشديدة للأجانب، الذين كانوا أعداء لهم خاصة اليونانيون الذين كانوا يقرضونهم بالفائظ. وانتشر جمال الدين الأفغاني يحرض ويزكي نيران تلك الثورة.

واشتعل الموقف في الإسكندرية بموقف عرف بعد ذلك بمذبحة الإسكندرية، عندما تشاجر مكاري حمار مع رجل مالطي فإنتهى الأمر بقتل المكاري، ليقوم أهل الإسكندرية بغضب بمهاجمة الأجانب الموجودين في المدينة.

هرب الكثير من الأجانب في المراكب وخرجوا من الإسكندرية، ولكن حل محلهم الأسطول الإنجليزي بقيادة الجنرال سيمور.

حصار الأسطور الإنجليزي

بدأ الجيش المصري في تحصين الطوابي في الإسكندرية من أجل الدفاع عن الشواطيء المصرية. وأنتشر العيال الصغار في الشوارع يصيحون “يا سيمور يا وش القملة.. مين قلك تعمل دي العملة”..

كان القائمقام سليمان داوود الضابط في الجيش وقائد الآلاي السادس الذي كان متمركزًا في المدينة، والموالي لأحمد عرابي متحمسًا لدرجة كبيرة، وكارهًا لكل من يمت للخديو بصلة، سواء الضباط الشراكسة أو الأجانب الموجودين في مصر.

صادف ذلك وجود الخديوي توفيق في سرايا الرمل، فقام سليمان داوود بحصار السرايا بجنوده، وكان يريد أن يقوم بأحراقها بمن فيها، سواء الخديو وحاشيته ونساءه وأطفاله. لاقى هذا الاقتراح استياء وغضب من الضباط الكبار من العرابيين، ولم يتم تنفيذه، ولكن ذلك تسبب في هروب توفيق من السرايا إلى الأسطول الإنجليزي، وفي إثرهم سليمان داوود بحصانه، في مشهد وصفه أحمد شفيق باشا في مذكراته، تسبب في وفاة خالة الخديو توفيق.

لم يقف رجال الجيش فقط في مواجهة الأسطول الإنجليزي، ولكن أفراد من الشعب كذلك رجلاً ونساءًا كانوا يساعدون الجنود، بإحضار الطعام والماء، بل وتلقيم المدافع.

وفي يوم 11 يوليو 1882 قام الأسطول الإنجليزي بضرب الإسكندرية، وكانت هناك مذبحة كبيرة، حيث أن المدافع المصرية لم تصمد طويلًا أمام الأسطول الإنجليزي، وكانت قذائف المدافع تهبط على المدينة فتدمرها، وتقتل تحت أنقاضها المئات، قتل العسكريون والمدنيون على حد سواء.

سليمان يحرق الإسكندرية

دمرت القذائف الإنجليزية القلاع المصرية، وأصبح من الضروري إنسحاب الجيش المصري من المدينة، قبل نزول الإنجليز، فتقرر الإنسحاب الاستراتيجي إلى كفر الدوار. وهرب الكثير من أهل الإسكندرية على الطرقات خارجين من المدينة.

وقبل إنسحاب الجيش أمر سليمان داوود رجاله بإحراق المدينة، كي لا يستغلها الإنجليز، متخيلًا أن ذلك سيمنعهم من دخولها، ويقول المؤرخ الكبير عبد الرحمن بدوي في كتابه “أيام لها تاريخ”: “بعد واقعة ضرب الأسطول الإنجليزي لمدينة الإسكندرية في 11 يوليو عام 1882م، اندلعت في اليوم الثاني من المجزرة البشعة النيران في حي المنشية وانتشر الحريق بعد ساعة في بقية الأحياء الشعبية والأجنبية”..

ويقول بدوي أن شهود العيان رأوا عبد الله النديم يحمل مسدسًا ويقتل ثلاثة من الأوروبيين ويقول أنه سيحرق المدينة هو ورفاقه. على أمل أن يحولوا دون نزول الإنجليز بها.

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يظهر فيها تعطش سليمان داوود إلى الدماء، فسبق بعد مذبحة الإسكندرية الأولى وواقعة المكاري والمالطي أن أثار العامة على قتل الأوروبيين في القرى، فهاجم الفلاحون القناصل الأوروبية في كل المدن والبنادر، وقتلوا عدد لا بأس به من الأجانب رجالًا ونساءًا، وتصف لطيفة سالم المشهد في كتابها “القوى الاجتماعية في الثورة العربية” بأن تلك الجثث كانت تحمل على العربات الكارو.

إعدام سليمان داوود

كان سليمان داوود هو آخر من حوكم من العرابيين، حيث أنه بعد دخول الإنجليز، وهزيمة العرابيين في التل الكبير هرب إلى جزيرة كريت، ولكن  تم القبض عليه هناك وإعادته إلى مصر.

لم يتم الحكم على أي من الضباط العرابيين بالإعدام، فأغلبهم كانت الأحكام ضدهم بتجريدهم من الرتب العسكرية، او النفي مثلما حدث مع عرابي ورفاقه وقيادات الثورة، ولكن سليمان داوود كان الوحيد الذي حكم عليه بالإعدام.

تم تنفيذ الإعدام على مرأى ومسمع من الجميع وفي ميدان المنشية الذي بدأت منه الحرائق، والذي بالفعل كان قد تم تدميره مسبقًا على يد الأسطول الإنجليزي.

يقول عبد الرحمن الرافعي عن سليمان داوود بأنه كان متهورًا، ومعروفًا بالحمق ويعتبر نفسه عرابي، وقد صمم أنه لن ينسحب من الإسكندرية إلا بعد أن يجعلها خرابًا.

اقرأ أيضًا: 

آخر يوم في بومبي.. تفاصيل اللحظات الأخيرة لمن تحولت جثثهم إلى تماثيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!