تقاريرسلايد

الإيقاع صفر.. قصة المرأة التي تركتهم يفعلون بها ما يريدون

عودة الإنسان إلى الحيوان الأول

كتب – أحمد المرسي

الإيقاع صفر.. ساد صراع قديم بين الفلاسفة القدماء والمحدثين حول ماهية الإنسان. وما إذا كان الإنسان قد تخلى عن صفاته الحيوانية الاولى والبدائية. أم أنها فقط خبئها خلف قشرة واهية من الحضارة لا غير. ولازالت تلك الحيوانية تقبع في مكان مظلم بداخله.

ولقد كانت تجربة الممثلة الصربية مارينا أبراموفيتش تجربة فاضحة بشكل كبير. عندما قدمت عرض مسرحي غريب. اسمته Rhythm 0 أو الإيقاع صفر. كشفت به عن مكنون الإنسان الداخلي. وكيف يمكن أن يتعامل مع غيره.

مارينا أبراموفيتش

ولدت مارينا في 30 نوفمبر 1946 في صربيا. وبدأت في دراسة الفن. وتمحورت أعمالها حول أفكار بعينها. منها علاقة الأداء والجمهور. وإمكانيات العقل. وحدود الجسد.
في السبعينات قامت مارينا بعمل سلسلة من العروض المسرحية جعلت الجمهور مشاركًا فيها. وكان آخرها هو عرض “الإيقاع صفر”.. والذي كان أخطر تلك العروض.

الإيقاع صفر

تم عرض الإيقاع صفر في نابولي عام 1974. واستمر لمدة 6 ساعات. قدمته في بدايته مارينا للجمهور الإرشادات التالية:

“تعليمات.
هناك 72 عنصرًا على الطاولة يمكن للمرء استخدامها معي حسب الرغبة.
أنا الهدف.
خلال هذه الفترة أتحمل المسؤولية كاملة “.

وتركت مارينا للجمهور الحرية في التصرف في جسدها. بينما جلست هي أمامهم صامته لا تحرك ساكنًا.

كان على الطاولة أدوات هي:

“بندقية ، رصاصة ، طلاء أزرق ، مشط ، جرس ، سوط ، أحمر شفاه ، سكين جيب ، شوكة ، عطر ، ملعقة ، قطن ، زهور ، أعواد ثقاب ، وردة ، شمعة ، مرآة ، أكواب للشرب ، كاميرا ، ريش ، سلاسل ، مسامير ، إبرة ، دبوس أمان ، دبوس شعر ، فرشاة ، ضمادات ، طلاء أحمر ، طلاء أبيض ، مقص ، قلم ، كتاب ، ورقة بيضاء ، سكين مطبخ ، مطرقة ، منشار ، قطعة من الخشب ، فأس ، عصا ، عظام ، صحيفة ، خبز ، نبيذ ، عسل ، ملح ، سكر ، صابون ، كيك ، رمح معدني ، علبة شفرات حلاقة ، صحن ، فلوت ، إسعافات أولية ، كحول ، ميدالية ، معطف ، حذاء ، كرسي ، خيوط جلدية ، خيوط ، سلك ، كبريت ، عنب ، زيت زيتون ، ماء ، قبعة ، أنبوب معدني ، غصن إكليل الجبل ، وشاح ، منديل ، مشرط ، تفاح”.

ما حدث

تختلف الروايات عن ما حدث بالضبط أثناء العرض. وليس معروفًا هي انتهت الساعات الستة بالفعل. أم أن الجمهور هو من أوقف العرض في النهاية.

في البداية كان الأمر عاديًا وقدم البعض لمارينا الورود. وكانت التصرفات هادئة وبسيطة. ولكن بعد ذلك بدأ العنف. حيث قام أحدهم بصفعها. وفور أن تلقت مارينا تلك الصفعة. تحول الجمهور إلى السلوك العنيف ضدها. وتحول الأمر إلى حالة الانتهاك. حيث تم تمزيق ملابسها بعد ثلاثة ساعات، واستخدم أحدهم سكينًا لقطع رقبتها. وتعرضت للتحرش الجسدي. والاعتداء. وتم تصويرها عارية وإلصاق الصور على جسدها. وحُملت نصف عارية ووضعت على الطاولة. وتم توجيه مسدس محشو إلى رأسها بعد أن تم وضعه في يدها. وإصبعها على الزناد.

كان رد فعل مارينا صامتًا على كل ما حدث. حتى أنها كانت قد تحملت كل الآلام التي ألحقت بها. ولم يظهر عليها أي تأثر إلى بعض أن وضع المسدس المحشو على رأسها. هنا فقط ظهرت في عينيها الدموع!.

على الرغم من عدم مشاركة جميع أفراد الجمهور في هذه الأعمال العنيفة. إلا أن الأغلبية قد قاموا بسلوك عنيف ضدها. فيما عدا بعضًا ممن مسح دموعها. وآخر قام بتضميد جراحها.

ولكن يقول الناقد الفني توماس ماك إيفيلي الذي كان حاضرًا العرض. أنه عندما وُضع المسدس على رأس مارينا. انقسم الجمهور. وتحول إلى فريقين. وتصادما بشكل عنيف.

ويعتقد أن العرض انتهى في تلك اللحظات. عندما تحول الجمهور إلى فريقين. متصارعين.

مارينا تتحرك

عندما انتهى العرض تحركت مارينا. ويقول إيفيلي أن أول ما حدث عندما تحركت مارينا. أن الجمهور خرج من العرض هاربًا. وكأنه لا يستطيع أن يواجهها على حقيقتها.

ووفقًا لمارينا أبراموفيتش ، فر الجمهور من المشهد بعد انتهاء الأداء. يبدو أن الناس كانوا خائفين من مواجهتها وغادروا على الفور مساحة المعرض عندما أنهت أبراموفيتش حالتها السلبية وتوجهت نحو الجمهور بعد مرور ست ساعات. بينما تحملت أبراموفيتش بصمت تصرفات الجمهور خلال إيقاع صفر ، تحدثت كثيرًا عن تجربتها بعد الأداء.

قالت: “الحقيقة التي عرفتها من هذا العرض إنه في أدائك الخاص يمكنك الذهاب بعيدًا إلى أقصى الحدود. ولكنك إذا تركت القرار للجمهور فقد تتعرض للقتل”.

تركت التجربة آثارها على مارينا. حيث أنها عندما عادت إلى غرفتها في الفندق. وجدت أن بعض شعرها قد أصبح أبيض بالكامل. وقالت مؤخرًا أنها لازالت تعاني من ندوب من الإيقاع صفر. وأنه كان من الصعب عليها التخلص من الشعور بالخوف لفترة طويلة. وتعلمت أنه لا يجب أن تخاطر بصحتها وحياتها مرة أخرى.

لماذا فعلوا ذلك؟

يبقى السؤال لماذا فعل الجمهور أشياء ربما لم يفعلوها في حياتهم اليومية. فهذا لا يعني أن تصرفات أفراد الجمهور إلتزمت بمعاييرهم الشخصية. وربما اعتبر معظم أعضاء الجمهور أن أفعالهم خاطئة من الناحية الأخلاقية لأنهم فروا جميعًا من المشهد بمجرد أن استعادت أبراموفيتش دورها وتحركت.

في كتابها “مارينا أبراموفيتش” كتبت الباحثة ماري ريتشاردز أن مجرى الأحداث قد تشكل بديناميات علم النفس الجماعي. نظرًا لأن أعضاء الجمهور تصرفوا كجزء من مجموعة. وليس باختيارات فردية. لذلك فإن الفرد ليس مسؤولا ولكن الجماعة.

ربما شعر بعض أفراد الجمهور من الذين تسببوا في إيذاء مارينا أثناء الأداء ان أفعالهم تبررها تعليماتها الصريحة في أنها تتحمل المسؤولية الكاملة عن تصرفات الجمهور ورغباته. والتي لم تستبعد الرغبات السادية. وأن هناك العديد من العناصر التي وضعت على الطاولة من الأساس حضتهم على هذا العنف. مثل الشفرات والمطرقة والمسدس.

يقول فريزر وارد في كتابه No Innocent Bystanders: Performance Art and Audience أن ما دفع الجمهور إلى تلك الأفعال هو أن مارينا وضعت نفسها في مكان “الآخر”. وهو ما جعلها مختلفة عنهم. وهذا يتضمن أفكار مثل الاستبعاد من النظام الاجتماعي. وجعلهم يتوهمون أن لهم السيادة فيما إذا كان الشخص قادرًا على أن يعيش أو يموت.

 

اقرأ أيضًا:

عندما طلب قروي أم كلثوم في بيت الطاعة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!