تقاريرسلايد

أندريا رايدر.. اليوناني الذي أسلم بسبب السيدة زينب وقُتل بسبب كبرياؤه

رجل صنع جزء من ذاكرتنا

كتب – أحمد المرسي

لموسيقى أفلام الأبيض والأسود سحرها الخاص، ومذاقها الغريب، حتى أنك بشكل لا إرادي لو استمعت إلى مقطوعة موسيقية من تلك الفترة، فستعرف بشكل ما لأي فيلم تنتمي.

فإذا كنت تعرف موسيقى الرجل الثاني من مجرد سماعها من بعيد، أو موسيقى دعاء الكروان، او استمعت يومًا إلى نشيد “والله زمان يا سلاحي”، وإذا كانت كل تلك الموسيقى جزء من ذاكرتك وتكوينك، ومصريتك، فأنت ولا شك مدين لرجل يوناني ولد في عام 1908 يونانيًا، وقتل في عام 1971 مصريًا..

رجل يدعى أندريا رايدر.

كان اسم أندريا رايدر اسمًا أساسيًا في تترات الأفلام في تلك الفترة، ويعتبر هو ذلك الرجل الذي صنع تلك اللحظات المليئة بالفرح والدموع، والترقب والخوف.

لا يمكن أن تحذف من رأسك تلك الترانيم المخيفة في دعاء الكروان، أو موسيقى الإثارة الموحشة في الرجل الثاني، أو الحزن في بين الأطلال، أو نهر الحب، وغيرها من عشرات الأفلام.

الحقيقة أنه لا يعرف عن أندريا رايدر الكثير، ولا يوجد تاريخ محدد يقول أنه فيه تم اعتماده كموسيقار في الإذاعة المصرية، ولكن ما نعرفه أنه ولد في اليونان، وتعلم العزف على آلة الترومبيت وهو في سن 12 سنة. وجاء إلى مصر في شبابه، عمل في فرقة تعزف الجاز في الملاهي الليلة.

أنه اعتنق الإسلام خلال الخمسينات، على يد شيخ صوفي، هو الشيخ إبراهيم محمد أبو خليل، شيخ الطريقة الخليلة، عندما استمع له وهو يقول أشعارًا للسيدة زينب.

جلس في الحضرات في الإسكندرية، واستمع إلى الموسيقى الشرقية، وتأثر بها ثم هضمها، واستطاع أن ينتج منها انتاجًا غزيرًا.

تعد سنة 1954 هي السنة الأولى التي ظهر فيها اسم اندريا رايدر على تترات الأفلام المصرية، وقد كان ذلك في فيلم لليلى مراد، ليظهر بعد ذلك اسمه على أفيشات وتترات أكثر من 80 فيلم. وقد اكتشفه محمد عبد الوهاب.

نقلة رايدر النوعية

قبل عام 1954 كانت الأفلام المصرية تعتمد على الموسيقى العالمية، وإذا شاهدت أي من تلك الأفلام، فستتعرف أذنيك على تلك المقطوعات الشهيرة، والتي قد تجد مثلها في أفلام أمريكية وفرنسية من ذات العصر. فهي لم تكن إلا مطوعات مختارة من الموسيقى العالمية لا غير.

الحقيقة أن رايد كان الشخص الذي قاد الثورة على تلك المقطوعات، ونقل السينما المصرية من زمن المقطوعات العالمية المختارة إلى المقطوعات المؤلفة، والمخصصة مباشرة غلى الأفلام المصرية، والتي تنطق بطبيعة المجتمع والقصة.

حاول أن تشاهد فيلم دعاء الكروان وتستمع إلى الموسيقى الخاصة به، وستعرف أنها تأتي من أعماق الريف المصري.

امتد تأثير رايدر حتى عام 1970 يقول النقاد أن المشهد الأخير في فيلم “غروب وشروق” حين وقفت سعاد حسني وتزيح الستارة لتتابع دامعة زوجها وصديقه رشدي أباظة وصلاح ذو الفقار، وهما يغادران حديقة قصر رئيس القلم السياسي بعد ان دمروا حياتها، ما كان ليكون بهذا الشكل لولا موسيقى رايدر، الذي ينهي عصرًا كاملًا من الموسيقى ويبدأ عصر جديد.

مقاتل جودو

حصل رايدر على وسام الرئيس جمال عبد الناصر، وتم الاحتفال به كأفضل موسيقي في حفل الذكرى المؤية للسينما المصرية.

اعتبر رايدر نفسه مصري منذ البداية، وقال في أحد اللقاءات الصحافية أنه مصري، وأنه حمل السلاح وحارب الإنجليز في العدوان الثلاثي على مصر، ومع ذلك يصر البعض على تسميته بالخواجة.

لم يكن رايدر مجرد موسيقار، ولكنه كان كذلك لاعب جودو شهير،  حصل على عدد من البطولات العالمية، والحقيقة أن لعبة الجودو هي ما أنهت حياته، عندما سافر إلى تشيلي من أجل تمثيل مصر في مهرجان ديلمار الثاني عشر.

موت بسبب الكبرياء

تقول منار أبو هيف التي كانت مرافقة لرايدر، زوجة السباح العالمي عبد اللطيف أبو هيف، والتي كان رايدر قد ألف لها أغنية “قوللي قوللي”، أنه استأذن منهم للتجول في مدينة سانتيجو.

تجول رايدر في المدينة، وحاول أن يصل إلى محل للقهوة، فعرضت سيدة أن تصطحبه إلى هناك لتريه المقهى، لكنه وجد نفسه محاطًا بخمسة أشخاص، يحاولون سرقته.

ولأن رايدر كان مقاتلًا قديمًا ورغم أنه كان في تلك اللحظة يبلغ من العمر 63 عامًا، فإنه قرر أنه لن يكون لقمة سائغة لهم وأن يدافع عن السيدة التي معه، وهو بطل الجودو المقاتل، فاشتبك مع الخمسة، وقام بضرب ثلاثة منهم وطرحهم أرضًا، ولكن خانه جسده، وعاجله واحد من مهاجميه بطعنة سكين في الظهر، وأخذوا منه محفظته وساعته.

عندما تم نقل رايدر إلى المستشفى طمأنهم الطبيب على صحته، ولكن إحساس الإنكسار والهزيمة بداخله كان أمر من تلك الطعنة التي طعنها، وفارق الحياة في 5 مارس 1971، بسبب انفجار الشريان التاجي. وكان آخر ما قاله لمنار أبو هيف هو أنه أخبرها أن تهتم بزوجته ماري.

لم يكن مع رايدر المال الكافي لإعادته لأرض الوطن، وقد تدخل الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب لدى الحكومة المصرية لإعادته على نفقتها، فتم دفنه في مصر، وتم منح زوجته ماري الجنسية المصرية وتوفيت في 2006، وطويت صفحة أشهر مؤلف موسيقى في تاريخ السينما المصرية.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!