تقاريرسلايد

أثر الرسول الذي سرقه السلطان العثماني وأعاده الرسول نفسه!

أثر الرسول الذي سرقه السلطان العثماني وأعاده الرسول نفسه!

كتب – أحمد المرسي

 

أثر الرسول.. نحن الآن في القرن السادس عشر، تحديداً في العام 1517م، وأنت تسير في شوارع القاهرة الترابية، في شارع النحاسين بالأخص.. تتعجب من الحركة والصراخ والراكضون.. الناس تنادي، ومن يستطيع أن يحمل شيء من المتاع يحمله فوق حمار أو جمال ويهرب، يتمتمون «إستر يا رب!.. يا رب سلم!»، الجميع يُغلق الدكاكين بما تحتويه ويجد سبيل للفرار..احذر أنت تسير ف نهر الطريق! تنحى جانباً حتى لا تدهسك خيول المماليك المسرعة،نعم، هذا  الذي فوق حصانة مدرج بالدماء هو أحد مماليك طومان باي عائد من الشمال، من الريدانية، العثمانيون هزموهم ودخلوا البلاد!.

أنت تشهد الآن نقطة تحول كبيرة من نقاط تحول التاريخ المصري، بعد ساعات سيكون العسكر الأتراك يسيرون في الشوارع، عسكر يقول عنهم المؤرخ المصري «ابن إياس» أنهم همج، لا يستحون، ويأكلون وهم على ظهور الخيل بدون أدب، ووصلت بهم القذارة إلى الإحتفاظ ببقايا طعامهم أسفل عمائمهم وأغطية رءوسهم المصنوعة من فرو الماعز!.

تغلب السطان سليم الأول على طومان باي بخيانة خاير بك، وجان بردي، بعد أيام كان المؤرخ بن إياس يرى السلطان المصري يتم إعدامه عند باب زويلة، وينقل لنا المشهد، حيث صار أهل مصر والقاهرة بين مصدق ومكذب لخبر القبض على سلطانهم، حتى رأوه بأعينهم يوم الإثنين الواحد والعشرين من ربيع أول في أحد أيام الخماسين وهو يركب حصاناً، حيث وقفوا يحيوه على جانبي الطريق طوال الطريق من باب البحر إلى سوق مرجوش ثم إلى باب زويلة، وهناك رأى المشاعلية والذين كانوا بمثابة «عشماوي» العصور القديمة، وهم يرخون الحبال من قواعد البرج الغربي تحت مئذنة جامع السلطان المؤيد شيخ، فنزل عن الحصان وعرف مصيره!

نظر السلطان الشاب بعينين حزينتين إلى جمهور الناس من حوله، ثم قال لهم «اقرءوا لي الفاتحة ثلاث مرات»،  وقال لرئيس المشاعلية :«أعمل شغلك!».

فلما وضعوا الحبل في عنقه إنقطع به، ورفعوا الحبل مرة ثانية، وجاءت «الثالثة تابته»، وترك السلطان الشاب الوسيم كريم الخلق كما وصفه بن إياس معلقاً مكشوف الرأس، وكانت هذه نهاية سلطنة المماليك ،التي أقامها بيبرس على أجساد الصليبين والتتار بسيفة ودرعه!

سرقات العثمانيين!

هزم العثمانيون المماليك عن طريق الحيلة، وكان السبب استخدامهم البنادق والمدافع، فكان الإنكشارية وهم أقوى الفرق العسكرية في التاريخ العثماني يصوبون فوهات بنادقهم على رءوس خيول المماليك فيسقطونها، حيث أن المملوك على فرسه يعادل كتيبة كاملة، ولكن على الأرض وبسبب دروعة الثقيلة فإنه لا يساوي الكثير.

بدأ العثمانيون أعمال القتل في البداية ومطاردة المماليك الهاربين المختفين في الترب ومساقي الموتى وغيطان المطرية ويضربون أعناقهم.

ونصب في الريدانية صواري وعليها حبال علقوا عليها رءوس من قتل من المماليك وغيرهم، فصارت الجثث مرمية من سبيل «علاّن» إلى تربة «الأشرف قايتباي» فجافت منهم الأرض، وصرت لا تعرف جثة الأمير من جثة الصعلوك وهم أبدان بلا رءوس!

وبعد أن تم الأمر لسليم الأول بدأ المرح.. ونحن لا نتطرق هنا  إلى ترحيل العمال المصريين إلى إسطنبول لتشييد العاصمة الجديدة، ولكن مبلغ السرقات التي سجلها العلامة ابن إياس عند عودة سليم الأول إلى تركيا حيث حملت مراكب بن عثمان الشبابيك الحديد من الجوامع والطيقان والأبواب الخشبية والسقوف المنقوشة، لدرجة أنهم سرقوا الأخشاب ،و البلاط ،و الرخام ،و المشاكي ،و الكراسي النحاسية ،و المشربيات ،و الشمعدنات. وكل تحف المماليك التي تركوها قبل رحيلهم!

وحمل سليم معه عن طريق البر ألف جمل محمل بالذهب والفضة والتحف والسلاح والصيني والنحاس المكفت، بالإضافة إلى الخيول والجمال والرخام الفاخر، ويقول ابن إياس”من كل شيء أحسنه”.

ولا نعرف سبب ولع العثمانيون بالرخام حيث أنهم سرقوا عمودي سماقي شهيرين كانا في القلعة، ويروي بن ايا أن رجال الدرك قد أمسكوا الناس على أبواب القاهرة من رئيس ووضيع ووضعوهم في الحبال وطلعوا بهم القلعة وهناك ربطوهم لينلوا العمودين اللذين قلعوهما من إيوان قلعة صلاح الدين، حيث عانى الناس من سحبهما غاية المشقة وحصل لهم البهدلة من الصك والضرب وخطف العمائم.

كما أنهم تطاولوا على مسجد السيدة نفيسة، وسرقوا الصندوق الموضوع أسفل رأسها والذي يوضع فيه النذور والمال.

وقاموا بالإستيلاء على خيمة المولد، وهي خيمة فاخر مخصصة للإختفال بالمولد النبوي قال عنها المؤرخون أنها أحد عجائب الدنيا، وكانت قد كلفت السلطان قايتباي 3 آلاف دينار.

ونزل رخام القلعة ووضع في صناديق وحمل بالمراكب ، وهو رخام أمر سليم الأول بفكه من قاعة البيسرية والدهيشة والبحرة والقصر الكبير وغير ذلك من أماكن القلعة.

وفك العواميد السماقية وهو نوع من الرخام الباهظ التي كانت بالإيوان الكبير.

وصار شخص يدعى يحي بن بكار يركب موكبه ومعه مجموعة من المرخمين فيهجمون على القاعات في القصور والمساجد الفاخرة ويأخذون الرخام السماقي والزرزوري الملون، فيقول ابن ايا أنهم “لم يعرفوا الحلال من الحرام”.

الآثار المقدسة؟

ولم يكتفي سليم الأول بسرقة كل آثار المماليك التي تركوها في مصر، ولكن إمتدت يده إلى سرقة تراثية أكبر وهي ما يسمى “العهدة الشريفة”، وهي مجموعة المتعلقات الشخصية بالرسول صلى الله عليه وسلم، والتي إحتفظت بها مصر في مسجد أثر النبي بساحل أثر النبي في جنوب القاهرة، وقد ظلت المتعلقات في هذا المكان حتى دخل العثمانيين البلاد، وفي ذلك الوقت أسروا الخليفة العباسي “المتوكل الثالث” خليفة المسلمين،والذي كان المماليك يحكمون تحت اسمه، وأخذه بالقوة معه إلى إسطنبول ومعه كل العهدة الشريفة.

وتتكون العهدة الشريفة من رسالة الرسول للمقوقس، وأيضًا بردة الرسول «جلباب»، وهي بردة سوداء كان يرتديها النبي وهي محفوظة الآن في صندوق من ذهب، وذكر القرماني في كتابه “أخبار الدول” بأن البردة التي كانت عند العباسيين هي بردة كعب، وهي تلك التي وصلت لسلاطين آل عثمان فهي اليوم يتباركون بها ويسقون ماءها لمن به ألم فيبرأ بإذن الله، وأتخذ لها السلطان مراد خان صندوقاً من ذهب فوضعه فيها!”.

ومع العمامة توجد “العمامة الخليفتي”، و شعيرات من رأس الرسول،وأحد أسنانه التي كُسرت في غزوة أحد،ومكحلة الرسول،ونعله، والقارورة التي كان يستعملها في الوضوء،وحجر التيمم،وآيات قرآنية بخط عثمان بن عفان، والسيف البداوي، وهو سيف الرسول وطوله 100 سم، وله مقبض من الجلد، ووزنه 930 جرام ، بالإضافة إلى «السيف المأثور» ، وهو السيف الذي ورثه الرسول من ابيه وهو أيضاً أول سيف إمتلكه رسول الله ، ومقبضه مرصع بالأحجار الكريمة كذالك الغمد،و كتب على النصل اسم والد الرسول : «عبد الله ابن المطلب». وطول السيف مع المقبض 95 سم وطول المقبض 14 سم وعرضه عند المقبض 4 سم بينما طول النصل 81 سم وطوله عند الذؤابة 3.5 سم.

وقد ظلت هذه النفائس الشريفة والمنهوبة من أرض مصر لدى سلاطين العثمانيين، ولا تال موجودة إلى الآن الآن في متحف قصر طوب قابي Topkapı Sarayı في مدينة إسطنبول التركية من ضمن المجموعة المسماة بـ “الآثار المقدسة”!

أثر قدم النبي!

ولم تقتصر سرقات العثمانيين على دخول سليم الأول الى مصر، فمن الواضح أن السرقات إمتدت عبر العصر العثماني كله، فنحن نقرأ بعد مائة عام من دخول العثمانيين أن السلطان أحمد خان عندما أراد بناء مسجده الشهير والمعروف بالمسجد الأزرق، زينوا له بأن يحضر “أثر قدم النبي” من جامع قايتباي بــ القاهرة ليضعه في جامعة تبرّكاً وصيتاً، فأمر بإحضار الأثر وأرسله إلى جامع أبي أيوب الأنصاري في مراسم عسكرية وشعبية ضخمة، ثم أمر بنقلها إلى جامعة.

وكان السطان أحمد خان شاباً، حكيماً محارباً قوياً وصالحاً على عكس سلاطين العثمانلية، فارساً وفناناً وشاعراً له ديوان شعر، وعرف بأنه سلطان بالغ عاقل، حيث أنه أمر بالإبقاء على حياة أخيه الأصغر مصطفى، على الرغم من العادة العثمانية في قيام كل سلطان بقتل إخوته عند توليه السلطة، كما قام بنفي جدته صفية سلطان صاحبة النفوذ الكبير في الدولة إلى القصر القديم لمعارضته تدخل النساء في شئون الحكم.

ولما كان أحمد خان على هذه الخلقة رأى فيما يراه النائم،أنه في حضرة الرسول محمد والسلطان قايبتاي المملوكي يشكوه للرسول، ورأى الرسول ينظر إليه في غضب، فهب فزعاً من منامه، وتوجه إلى الشيوخ في دولته ليقص عليهم ما رأى، فقالوا له :«الرؤيا تفسر نفسها يا مولانا!»، فأمر السلطان والد أوليا جلبي” – الرحالة المشهور- بصنع صندوق يعد تحفة فينة وزينه بالميناء والفضة والذهب ليوضع فيه الأثر – حيث كان والد أوليا جلبي نقاشاً-  ومن ثم يعاد إلى مكانه.

ويقول أوليا جلبي إنه في أثناء سياحته بمصر زار أثر قدم النبي ورأى التحفة التي صنعها والده في أربعين يوما وعليها أبيات ثمانية من الشعر العربي في آخرها: “بحرمة صاحب القدم المعلاّ  له الدرجات العلا في الآفاق سلم”.

أقرأ أيضًا:

مارجريت فهمي.. قضية مقتل الأمير الشرقي على يد ابنة السائق الفرنسية

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!