“ذات النطاقين وعبد الله”.. أم وابنها وحيدان في مواجهة الملوك

كتب – أحمد المرسي

يعرف الكثيرون عن زمن الفتنة، وما حدث للزبير ابن العوام، ولكن لا يعرف الكثيرون تفاصيل ما حدث، وكيف تحولت الخلافة الإسلامية من نظام الشورى إلى نظام المملكة.

خلفية تاريخية

تسلم معاوية بن أبي سفيان الخلافة بعد مقتل علي بن أبي طالب. ثم حول الخلافة من نظام الشورى والانتخاب. لنظام الوراثة. وورث الخلافة لابنه يزيد بن معاوية.

رفض الحسين بن علي هذا الوضع، وثار على يزيد. فقتل حفيد الرسول وقطعت رأسه. وظُلم آل بيته. فهل انتهى الأمر عند ذلك؟

عندما قتل الحسين ومُثل بجثته، وبأهل بيت الرسول قامت الثورة على يزيد والأمويين، للدرجة التي أعلنت فيها جزيرة العرب بالكامل الثورة على حكم بني أمية. وفي مكة رفضوا مبايعته. ونصبوا عليهم “عبد الله بن الزبير”. بدلًا من يزيد الذي كان يحكم من الشام.

عبد الله بن الزبير

هو عبد الله بن الزبير بن العوام. صاحب الرسول. وأمه هي أسماء ذات النطاقين بنت أبو بكر الصديق. عمة أبيه هي السيدة خديجة بنت خويلد حبيبة الرسول وزوجته وخالته هي السيدة عائشة.

كان عبد الله بن الزبير هو أول مولود للمسلمين في المدينة. فرح به الجميع، لان اليهود كانوا يشيعون أنهم سحروا المسلمين ومنعوهم من الانجاب في المدينة.

كان عبد الله شجاعًا منذ صغره، ففي أحد الأيام جمع المسلمين أولادهم لمبايعة الرسول. فخاف الأطفال جميعًا إلا عبد الله. تقدم وسلم عليه مثل الرجل. فابتسم الرسول ونظر لهم وقال “ابن أبيه”. دليل على شجاعته.

كان عمرو بن الخطاب وكان عبد الله بن الزبير صغيرًا في خلافته. وكان معروفًا عن عمر الغلظة، فكان إذا مر في طريق هرب العيال منه. يصرخون “عمر، عمر”. لكن عبد الله لم يجري. وهو ما استغربه عمر، فذهب له وقال: مالك، لم تجري؟ فقال ببساطة: أنه لم يفعل خطأ يجري من أجله. والطريق ليس ضيقًا لأفسح لك!”.

عبد الله بن الزبير وأمه ذات النطاقين

كبر عبد الله بن الزبير. وكان معروفًا عن أبيه “الزبير بن العوام” أنه كان غيورًا لدرجة كبيرة. واشتكت اسماء منه كثيرًا لأبيها الصديق. ولكنه رفض طلاقها وقال لها أصبري.

وكان سبب الطلاق هو عبد الله عندما دخل عليهم وهو يضربها. فاستنجدت الأم به. فدخل ليمنعه، فقال الزبير: أمك طالق إن دخلت. فغضب عبد الله وقال: أتجعل أمي عرضة ليمينك؟!. ودخل وخلصها منه. وعاشت عنده.

من هنا بدأت العلاقة تتعدى مجرد علاقة أم وابن إلى شيء أعمق. فقد أصبحوا كل شيء لبعضهما البعض.

عبد الله والخلافة

عندما رفض عبد الله بن الزبير بعد أن تولى على مكة مبايعة الأمويين. كان الخليفة هو عبد الملك بن مروان. فبعث له الحجاج بجيوشه، وكلفه بإنهاء المشكلة.

كان الحجاج بن يوسف الثقفي رجلًا معروفًا بجبروته. ولا يوجد مؤرخ في التاريخ لم يلعنه. نصب الججاج المنجنيق حول مكة. خمس آلات حرب. وضرب به مكة. حتى سوى الكعبة بالأرض، وحاصر عبد الله بن الزبير المدينة ومنع من فيها من الخروج.

حصار مكة

كان الأمويون طوال الحصار يعايرون عبد الله بن الزبير بأمه الملقبة بـ “ذات النطاقين”. وأنها خلعت نطاقها “حزامها”. أثناء هجرة الرسول. وشقته نصفين لتلف واحد على وسطها، والآخر تحمل فيه الأكل للرسول وأبو بكر. وهما هاربان من قريش. وكانت المراة في الجاهلية إذا خلعت نطاقها كان هذا عار عليها.

ولم يكن عبد الله على علم بتلك القصة. فذهب إليها عندما عايره أعداءه بها. وحكت له ما حدث. كان يرد عليهم بغضب.

بنى عبد الله بن الزبير الكعبة مرة أخرى، وعطر حيطانها بالعطور. ولكن مع الحصار وشدته بدأ الناس يتخلون عنه، لأن الحجاج منع عنهم الأكل والشرب.

تركه الناس لدرجة أن أولاده الاثنين تخلوا عنه. وطلبوا الأمان والخروج من مكة.وقد شعر عبد الله بالتردد في تلك اللحظة، ولهذا ذهب لأمه. وكانت امرأة عمياء بسبب كبر سنها. وقال لها أن الناس تركوني، فماذا أفعل؟. لكن أسماء قالت له “لا تترك رقبتك لعبة لغلمان بني أمية”. وقالت له:”إذا كنت فعلت ذلك للدنيا، فأنت في رقبتك ذنب كل من ماتوا. وإن كنت فعلت ذلك للآخرة، فأنت ملزم بإكمال ما بدأته”. فقال لها أنه خائف بأن يمثلوا بجثته بعدما يقتلوه. فقالت كلمتها المشهورة “وهل يضر الشاة سلخها بعد ذبحها؟”.

قال الزبير لها”فانظري يا أماه فإني مقتول في يومي هذا. فلا يشتد حزنك”. وقام فقبل رأسها. وعندما عانقته. شعرت بالحديد عليه. وعرفت أنه يلبس درعًا. فسألته لماذا يلبسه. فقال لها أنه لبسه كي لا تخاف عليه، فقالت له “أخلعه، وخبيء عورتك إذا قتلوك لا تنكشف”. فغطاها باكثر من رداء.

عبد الله بن الزبير والحجاج

لنا أن نتخيل كم هذا الألم الذي عانته أم تودع ابنها.

في هذه الليلة. وكانت ليلة ثلاثاء. سهر عبد الله ساندًا على سيفه في الكعبة. ولما غلبه النوم انتفض، وكان الفجر، فقال لصاحبه “أذن يا سعد”. ولما صلى الفجر بدأت المعركة.

وفي المعركة كان الأمويين يذبحوا كل من رأوه. حتى متعلقًا بأستار الكعبة. وكان ذلك ممنوعًا حتى في الجاهلية، فتكاثروا عليه، وضربه واحد منهم في رجله بالسيف فوقع على الأرض.

وجاء رجل أسود قال له وهو يضربه”أخ يا ابن الزانية”. ورغم أنه كان يموت، لكنه هاج بثورة عندما شتمت أمه، وصرخ”أأسماء زانية؟ أخسأ”. ثم ضرب رأس مهاجمه فاطاح بها، وأخذ يقاتل حتى سقط، وذبحه واحد منهم بسيفه.

الشاة وسلخها

لم يكتفي الحجاج بقطع رأس عبد الله بن الزبير. وإرسالها إلى دمشق، لكن صلبه في منطقة اسمها “الحجون. وبعد ذلك ذهب الحجاج لأمه أسماء فقال لها:”هل لك حاجة يا أماه؟”. لكن اسماء قالت”أنا لست أمك. أنا أم هذا المربوط على الثنية”. تقصد ابنها المصلوب.

غضب الحجاج من كلامها، وقال:”كيف رأيتني صنعت بعدو الله؟”، قالت له “أراك أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك”.

من أجل احتواء الموقف السياسي كان الحجاج في خطبة الجمعة يقول أن الزبير كان رجلًا صالحًا ولكن آدم عندما عصى ربه. غضب وطرده من الجنة. والزبير ليس أغلى عند الله من آدم!.

بعد أيام عندما مر عبد الله بن عمر بن الخطاب على الزبير وهو متعلق دخل للحجاج. وقال جملته المشهور :أما آن لهذا الراكب أن يترجل؟”.

أنزل الأمويون جثة عبد الل بن الزبير، فأخذته أمه وكفنته. ورشته بالعطور. ودفنته، ويقول المؤرخون أنه لم يمر 10 ليال وماتت هي الأخرى.

مواصفاته الشكلية

يذكر الكثير من المؤرخون مواصفات عبد الله بن الزبير الشكلية. فيقولون أنه كان نحيل القامة، له لحية صفراء خفيفة، وكان لديه جمة أو “عبسة” عند مقدمة شعر رأسه.

لا يعرف إن كانت هذه المواصفات توافق مواصفات أمه الشكلية أم لا. ولكن الحقيقة التي لا يمكن لأحد أن ينكرها، أنه كان يشببها في كثير من الصفات. في زمن اضطر فيه رجل وأمه لمواجهة بطش الملوك.