تقاريرسلايد

كطلاء ومقويات جنسية.. هكذا استخدموا لحم المومياوات المصرية قبل 100 سنة

كطلاء ومقويات جنسية.. هكذا استخدموا لحم المومياوات المصرية قبل 100 سنة

 

كتب- أحمد المرسي

 

ذات يوم صيفي من أحد أيام عام 1898، كان هناك رجلان صعيديان أسمران ونحيلان يقومان بمهمة تعتبر من أهام المهام في الدولة، وربما هما نفسيهما لم يكونا يعلمان بمقدار أهمية هذه المهمة، فقد كانا – وبكل تواضع- ينقلان مومياء قديمة تم اكتشافها حديثاً على يد المستكشف ومدير مصلحة الآثار فيكتور لوريه، على حمار!.

قطع الرجلان مسافة كبيرة من سقارة – حيث تم اكتشاف المومياء – الى بولاق، والمومياء محمولة على الحمار الحصاوي،وهي متدلية من الجانبين كالزكيبة، أحدهما يسنده من رأسه والآخر من قدميه منعاً للسقوط على الأرض، وربما لم يمنع هذا من تمرغ الملك القديم في التراب أكثر من مرة، وشرود الحمار منهما عدة مرات.

ركبا في البداية القطار، ثم نزلا إلى مركب عبر بهم النيل من الجيزة، ثم وصلا ميناء بولاق، حيث كان لا زالت بولاق ضاحية خارج القاهرة.

ولأنهما يحملان «شيء ما» فكان عليهما أن يدفعا “جمرك” دخوله إلى المدينة، كانوا يسمونها وقتها «الدخولية»،موظف الجمرك نظر لهما بكل تعجب وقال وهو يمسح جبينه ويتأمل الجثة المتيبسه :«وما هذا إن شاء الله؟».

وعندما أخبروه أنها «مومياء»، أرسلها بهم مدير مصلحة الآثار «فيكتور لوريه» لم يفهم الرجل، ولكنه للحق فقد إتبع القوانين واللوائح، وبدأ في التفتيش عن كلمة «مومياء» في قائمة الأصناف التي سلمتها له الحكومة من أجل تحديد قيمة «الدخولية»، وبدأ يقلب في الأوراق:

حسناً.. هناك فول .. عدس.. بصل.. قلقاس.. لوبياء.. مم..

وهز رأسه نفياً،رفع رأسه اليهما، وهو يهرش صدغه، قائلا: «ليس عندي مومياء».

– «والعمل؟»

وكأي موظف يحترم نفسه ومركزه الحكومي، قال لهما:

-«فوت علينا بكرة!»

الرجلان نظرا لبعضهما البعض في توتر، لو عادا لفيكتور لوريه ربما يدفنهما مكانهما حيان بكل تأكيد ، الخواجة مجنون.

أخبراه أنهما قادمان بأمر من «فيكتور لوريه»، وهذا أمر مكتوب بخط يده، وإذا عادا فإنه سيقلب الدنيا ولن يقعدها، وشرحا له ماذا تعني «مومياء»، وكيفية عملية التحنيط بطريقة مبسطة!

الرجل جاد إذاً، لا يستطيع ان يعادي فيكتور هذا أو أحد من الخواجات ، هؤلاء يسيّرون البلد «على كيفهم»، ويأخذون حقهم «ثالث ومثلث»، سينقلب الأمر كله على رأسه لو عادوا بهذه الفسيخة المتعفنة إلى وادي الملوك .. ثم .. ها؟..

لمعت عيناه وكأنهما مصباح غاز، – لم تكن مصابيح الكهربائية قد ظهرت بعد – وقال لهما:

– «حسنا هذه فسيخة!»

نظرا له في تعجب، فأكمل : «أليست كذلك؟»

تم تسجيل المومياء في ذلك اليوم كفسيخة كبيرة في دفاتر الدخولية، وأنتهى بها المطاف في النهاية بنجاح داخل المتحف!

مومياوات في قاع النهر!

ما حدث عند نقطة جمارك بولاق كان لمحة بسيطة عن طريقة تعامل المصريين مع ملوكهم القدماء، وإذا كنت تتعجب من معاملة مومياء مصرية قديمة كـ «فسيخة» فيجب أن تعلم شيء واحداً، هو أن هذه المومياوات التي ترقد بسلام الآن في توابيت زجاجية نظيفة ومُلمعة داخل غرفة خاصة مكيفة بالهواء البارد في المتحف المصري، كانت ومنذ مائة عام فقط بلا كرامة بمعنى الكلمة، وإذا لم تصدقني فعليك فقط أن تقرأ ما كتبته الرحالة البريطانية إيمليا إدواردز في كتابها الشهير «رحلة الألف ميل».

كانت إيميليا روائية وصحفية ورحالة وأول إمرأة تدرس علم المصريات، وقد توفيت في عام 1891 أي قبل حادثة موريه هذه، وكانت قد جاءت مصر في منتصف القرن التاسع عشر وسجلت مشاهداتها بينما كانت تعبر نهر النيل. صعودا وهبوطاً.

وتقص علينا المرأة واقعة اكتشاف أحد المقابر في البر الغربي مقابل الأقصر، والشائعات التي إنتشرت في المدينة بين الأجانب عن وجود إحداها مُهربة على متن أحد السفن الأمريكية الراسية على الشاطيء، ولم تخفي إيميليا نيتها في شراء المومياء بـمائة جنية إسترليني عرضتها على سارق الآثار، ولكنه رفض وباعها إلى سيدة أخرى اشترت المومياء وفوقها بردية بمبلغ ضخم، ولكنه أثناء الإبحار بها إلى الشمال باتجاه الإسكندرية لم يتحملوا رائحة العطر المنبعثة من المومياء المصرية القديمة فقاما بإغراق «الراحل العزيز» – على حد قولها- في النيل مع نهاية الأسبوع!

ويبدو أن إلقاء المومياوات في النيل في تلك الفترة كان رياضة مُحببة بالنسبة للسياح الأجانب في مصر، حيث تذكر الرحالة الأمريكية «ماريان بروكليهورست» في مذكراتها أنها تخلصت من أحد الجثث المحنطة بإلقائها في مياة نهر النيل خوفاً من أن تفضح رائحتها سر السرقة، ولازال صندوق موميائها فارغاً حتى الآن في متحف «ماكليسفيلد» بدون اسم عليه!

كانت مصر في تلك الفترة – منذ منتصف القرن التاسع عشر وإلى بداية القرن العشرين – تعج بالمغامرين، الذين ينبشون القبور لإستخراج المومياوات والدفائن، حيث كانت الآثار في هذا الوقت «لا صاحب لها»، فكان الخديوي إسماعيل إذا أراد تسلية ضيوفه المشهورين من الأجانب يرسلهم في ذهبيات «مراكب قديمة» فخمة عبر النيل، ويمنحهم ربوة عذارء أو عدة أمتار من مقبرة شهيرة، ويسمح لهم بالحفر إلى العمق الذي يرغبونه مع الإحتفاظ بما سيعثرون عليه من الآثار، وأحياناً كان يرسل بعض فتيان الكشافة لحفر الأرض، لإكتشاف مقبرة ثم يتركوها دون أن يفتحوها ويسمحون للسائح الجليل القدر بإكتشافها بعد ذلك في مسرحية ظريفة ليشعر وكأنه أحد المستشكفين، وعندما كانوا يفتحونها في بعض الأوقات كان يتم إغلاقها ثانية وإعادة فتحها مرة أخرى بعد يوم أو يومين في مظاهر إحتفالية!.

الأمر كان أشبه بتقديم الحلوي عندما تستضيف بعض الضيوف الأعزاء عليك في منزلك، حيث أن عدم فتحك لمقبرة أو مقبرتين للقادم قد يتسبب في وصفك بالملك البخيل!

لا يسعنا هنا إلا أن نعرف أن المصريون بذاتهم لم يكونوا يدركون أهمية هذه الآثار القديمة، فعلى سبيل المثال كان أفضل إستخدام استخدمه المصريون لرؤوس التماثيل المحطمة التي يتم العثور عليها تحت الأرض – مصادفة- هو وضعها تحت أقدامهم للوقوف عليها من أجل ركوب الحمير العالية، أو بيعها لهؤلاء المجانين «الخواجات» الذي يشترون ما لا قيمة له بأسعار مهولة، الأمر كان أشبه بأن تشتري حفنة تراب في زجاجة بألف جنية إسترليني ، فكما نقول «رزق الهبل..»!.

إذا حاولنا أن نعرف كيف كان المصريون ينظرون إلى هذه الآثار فعلينا أن  نلقي نظرة سريعةعما كتبة مثقفي العصور الوسطى عن الأهرامات، قبل أن يفك شامبليون شيفرة اللغة الهيروغليفية ويكشف لنا حقيقتها، فيقول الرحالة أبو الصلت أن النبي إدريس هو من قام ببناء الأهرامات الثلاثة عندما إستدل من أحوال الكواكب على طوفان يعم الأرض، فأكثر من بنيان الأهرام، وإيداعها الأموال وصحائف العلوم، والذهب، من أجل إنقاذها من الطوفان المرعب، أما المقريزي والسيوطي وهما مؤرخان جليلان ولهما وزنهما فيقولان أن من مبنى الأهرام هو ملك اسمه «سوريد بن سهلوق بن سرياق»، وكتب ابن خرداذبة: «ويقال والله أعلم أنهما من بناء بطليموس القلوني الملك».

وإذا كانت هذه هي رؤية مثقفين هذا العصر إلى أهرام الجيزة فمن الطبيعي أن نعرف ماذا كانت تمثل هذه الآثار بالنسبة للعامة، فتماثيل «الأوشابتي» لن تكون في نظرهم غير “مساخيط” الكفار الملاعين!.

وحصلت المومياوات بخاصة على إحتفار كبير، فنحن نجد أن والي مصر محمد علي يصدر في عام 1835 أمراً  – تحت إصرار العديد من الأصوات المتنورة – بمنع خروج «الأنتيكات» – يقصد الآثار المصرية- خارج البلاد ، ولكنه يستثني من هذا المومياوات التي لم ير في خروجها ضرراً، ويثبت ذلك ما كتبه محافظ مدينة القصير إلى المعية بتاريخ 27 أكتوبر 1835 يستعلم منها :”عما يجب تدبيرة إزاء ذلك التابوت الخشبي الذي يشتمل على جيفة من جثث الكفار الأقدمين (مومياء) والذي حمله أحد الإنجليز، وأنزله في سفينة راسية بميناء القصير إبتغاء نقل جثته خارج البلاد”، وذلك لأن الإقرار الصادر بشأن العاديات لم يرد فيه قول عن «جثث الكفرة»، فأمر محمد علي موظفي ديوانه بأن يبلغا محافظ القصير أن لا يعارض الموظف اللائحة وأن لا يمانع في أمر هذه الجثث حيث منعها ليس ضرورياً، إذ أن القانون لا يشتمل على شيء عن هذه الجثث المذكورة!

يجب فقط لفت الإنتباه إلى أنه عندما نتحدث عن الآثار في القرن التاسع عشر، فإننا هنا نتحدث عن عصر العلم، والثورة الصناعية، وبداية ظهور العلوم الحديثة، والمعرفة، التي قادت في النهاية الى الوصول الى القمر، حتى وإن كانت هذه المعرفة مُقتصرة على فئة محددة وهم الأجانب، ولكننا إذا عدنا بالزمان قليلا فسوف نعرف أنهم كانوا معنا شركاء وأحبة في حالة «الجهل العام»، وأن إلقاء المومياوات في نهر النيل يُعد رحمة كبيرة بها، وتحضر منقطع النظير!.

مسحوق المومياوات!

قبل أن يشرف القط القصير «نابليون بونابرت» الشواطيء المصرية، وقبل أن يكتشف جنديين من جنود الحملة الفرنسية حجر رشيد، أثناء أعمال الحفر في قلعة قديمة، وقبل أن يعمل عليه العالم الشاب «جان فرانسوا شامبليون» كانت الآثار المصرية موجودة وبكثرة وكان الطلب عليها متزايداً، ولم يكن الغرض من الحصول على المومياوات في هذه الفترة عرضها في متاحف أوروبا للسائحين وكسب المال، كما يحدث في هذه الأيام معدومة البركة ، ولكن كان الهدف في تلك الأيام الخوالي هو صنع المساحيق!.

كان تهريب المومياوات إلى خارج البلاد عادة مفهومة طوال قرون، ولم يكن هناك أي قانون يمنع هذا النشاط الترفيهي الجميل، ولم يكن يمانعها غير البحارة الأتراك، الذين كانوا يرفضون حمل «جثة كافر» من عصور الكفر السحيفة على متن سفنهم، وقد يُفهم من هذا أنهم كانوا يخافون نهب الآثار وأن يأخذ الأجانب ثروات البلاد، ولكن هذا لم يكن صواباً، من الأساس حيث أنه لم يكونوا يرون في الأجانب في هذا الوقت سوى مجموعة من «الكفار المخابيل» يسرقون «كفار قدامى» ليس أكثر، ولكن كان كل إعتراضهم على ما قد تسببه تلك الرفات القديمة من لعنات تواجههم في وسط البحر، فوجود مومياء على متن سفينتهم هو نذير شؤم، فمن الممكن أن تثور العواصف عليهم وهو ما قد يتسبب إلى إنتهاء رحلهتهم في قاع البحر، وقد حدث هذا أكثر من مرة، ولذلك كان تهريب المومياوات أمرًا صعبًا في البداية، إلا إذا إستطاع أحد هؤلاء المهربين إيجاد خطة جهنمية من أجل إخفاءها في قاع السفينة بعيداً عن عيني القبطان حيث يتم شحنها إلى أي من موانيء أوروبا، وخاصة إيطاليا، حيث كانت البندقية تحتفظ بعلاقات وطيدة مع الإمبراطورية العثمانية.

ومع تولي اليهود لأعمال الجمارك، وخاصة جمرك الإسكندرية، صار تهريب المومياوات أسهل من تهريب الخمور إلى الولايات المتحدة الأمريكية في بدايات القرن العشرين مع فرض قوانين حظر الكحول!

حسناً، كان تهريب المومياء سهلاً ولكنه كان يواجه بعض الصعوبات أحياناً، ولكن الغرض كان يستحق، حيث كان يتم شحن المومياء إلى أوروبا، كقطعة واحدة، أو بعد تقطيعها إلى أكثر من قطعة، أو تفتيتها لأجل طبخها في قدور مخصصة من أجل إستخراج القار منها لأغراض علاجية!.

وإذا كنت تسأل عن سبب استخراج القار لمثل هذه الأغراض التي تسمى «طبية» ، فعليك أن تفكر بمنطق شخص يعيش في تلك القرون السحيقة، حيث كان الطب متطوراً للغاية وللدرجة التي كانت تُستخدم فيها أمخاخ الضفادع في الممارسات الطبية!

في البداية كانت يتم إفراغ المومياوات من القار واستخراجه منها، ولكننا لا نعلم تحديداً من الجهبز الذي أفتى الفتية الطبية القائلة أن إذابة لحم المومياء وطبخه وصنع المسحوق منها هو علاج أفضل!

انتشر هذا الدواء في صيدليات أوروبا طوال قرون، وتم إقراره كعلاج أساسي في الوصفات الطبية بداية من عام 1400م،  ويقول «روبير سوليه» في كتابه «مصر ولع فرنسي» أن العطارين كانوا يبيعون في فرنسا مسحوق يسمى «موميا» وهو على هيئة مسحوق أسود اللون، وكان الإمبراطور فرانسوا الأول ذاته لا يذهب إلى رحلة اطلاقاً دون أن يأخذ معه على سرج حصانه حقيبة جلدية صغيرة مشتملة على «مسحوق المومياء».

إشتهر هذا المنتج بأنه يشفي من العديد من الأمراض، مثل أمراض الجهاز التنفسي، والهضمي ونزيف الدم، ونزيف الحيض، والأمراض الجلدية، وبالطبع منشط جنسي كـ «الفياجرا»!.

وخلال الحروب الصليبية تعلم المحاربين الأوربيون تناول القار بإعتبار أن له قدرات عالية على الشفاء من حالات اسور والجروح.

على كل كتب الفيلسوف الإنجليزي توماس براون يقول: «أصبحت المومياء سلعة تشفي الجروح وصار الفرعون يباع للحصول على البلسم».

كان الإيمان بقدرة مسحوق المومياوات مذهلاً، هو ما دفع الرحالة الفرنسي جان دي تيفنو أن يفتح بنفسه مقبرة في سقارة ويأخذ معه مسحوق المومياء وتابوت إلى فرنسا.

وقد جاء الإسكتلندي جون ساندرسون الذي كان وكيلاً لأحد الشركات التركية بالإسكندرية في عام 1585 ليقضى جانباً كبيراً من وقته في تجارة المومياوات.

وعلى ما يبدو لم يكن التداوي بالقار هو فكرة أوروبية خالصة، فنحن نعرف أن الأوروبيون قد تأروا كثيراً بازدهار علوم الطب في المنطقة العربية، ولذا نجد أصول لهذه الطريقة في التدواي داخل الطب العربي القديم، وليس من المستغرب عندما نعلم أن الرحالة عبد اللطيف بن يوسف البغدادي والذي أتى مصر منذ تسعة قرون قد اشترى ثلاثة رءوس مومياوات مملوءة بالقار بنصف درهم مصري، وبالطبع يعتبر هذا سعر بخس بالنسبة إلى سعرها في أوروبا، وقد إعتبره الرجل «لُقطة»!

كان استخدام القار للتداوي ممارسة طبية قديمة لدى العرب، وستدهش عندما تعرف أن أسماء كبيرة مثل “محمد بن زكريا الرازي” (845م-  925م) و بن الببيطار (1197-1248م) أشادوا به، واستخدمه الأطباء الفرس طوال العصور الوسطى، وطوال قرون كان يتم إستخدام القار المستخرج من البحر الميت والقادم من غرب آسيا، ولكن عندما نفذت إمدادات القار أو “البيتومين” من هناك بدأ الإعتماد على المومياوات في المقابر المصرية بداية من القرن الثاني عشر!

ومن المعروف أن كلمة “مومياء” هي كلمة فارسية في الأساس تعني القار، لاستخدام القار في عملية التحنيط.

حسناً، ولأن العلم يجب أن يشارك فيه الجميع ، ولا يقفوا كمستهلكين فقد بدأت الإسهامات الأوروبية في مجال المومياوات، فنجد الجراح  الايطالي جيوفاني دا فيجو (1450 – 1525م) اشاد باستخدام مسحوق المومياء في شفاء الجروح ، ولا نعرف كم مريض من مرضاه مات كي يصل إلى هذه النتيجة الرائعة.

أما السويسري باراسيلوس (1493 -1541م) فلم يكتف بالإشادة بل وضع ارشادات يجب اتباعها عند اختيار المومياء المناسبة للطبخ وقال أن المومياء الدوائية الحقيقية يجب أن تكون لجسد رجل لم يمت موته طبيعية ولكنه توفى بموت غير طبيعي لكي يكون بصحة جيدة وبدون مرض.

وبعده بسنوات قال الطبيب الألماني أوزوالد كرولي (1563-1609م) أن المومياء يجب أن تكون لشخص هلك بموته عنيفة وبقى في الهواء لبعض الوقت، وقد وصف وصفة مفصلة لصنع «موميا» من جثة رجل تم شنقه!

وبطبيعة الحال، ولأن «الفهلوة» كانت جزءاً من سمات الشعب المصري طوال سنوات وسنوات، فقد بدأت أعمال الغش منذ زمن بعيد في تجارة المومياوات، وقد خدع العديد من الفلاحين “الخوجات المهابيل” وأعطوهم بقايا محروقة لجثث مزيفة، للدرجة التي حذرت فيها دائرة المعارف البريطانية في عام 1771 الناس في أوروبا وأمريكا من شراء مسحوق هذه المومياوات لأن ما يباع هو جثامين بعض المجرمين وليسوا المصريين القدماء!

وكان يتم سرقة جثث الموتى المدفونة أو جثث المجرمين الذين يعدمون ومن ثم يجففونها ويبيعونها!.

واستمر إستخدام المومياوات طبياً حتى القرن السابع عشر ، وذُكرت في الكثير من أدبيات هذا العصر ، كما في مسرحيات “شكسبير” و “توماس براون” و”فرانسيس بومون”.

ويمكنك حتى الآن مشاهدة العلب الأنيقة المنقوش عليها كلمة “موميا” التي كان يباع فيها المسحوق في عدد كبيرة من متاحف العالم ، مثل متحف هامبورج.

ونستطيع أن نقرأ في كتاب ماك كون “مصر كما هي” الصادر عام 1877 إنه قبل “خمس سنوات” كانت المومياوات أول الصادرات المصرية.. يصدر منها 10 الاف طن سنوياً اغلبها لبريطانيا!

سماد الفرعون الفاخر!

بحسب علماء التاريخ وتحديداً عالم المصريات البريطاني صمويل بيرش فإن عدد المومياوات الي تم تحنيطها في مصر القديمة يصل إلى 470 مليون مومياء طوال التاريخ المصري القديم، وإذا كنت تتسائل عن عدم وجود هذه المومياوات الآن، فعليك أن تعرف أن أغلبها قد تحول إلى سماد عضوي وذاب في الأرض!

بعد سنوات من التحذيرات الطبية، التي كان أولها تحذيرات الجراح الفرنسي «إمبرواز بارييه» عام 1509م قل استخدام لحم المومياوات كعلاج، حيث أنه يسبب العديد من المشاكل الصحية مثل آلام المعدة والعفونة في الفم والفيء، والنزيف الداخلي، ومع بداية القرن التاسع عشر تحولت العقلية التجارية الأوروبية في نظرتها للمومياوات، واعتبرت المومياوات أفضل سماد للأرض!

كذلك لا نعرف من هو المُبدع الذي فكر في هذه الفكرة العبقرية، ولكننا نعلم أنها لاقت شعبية كبيرة، وأن رفات جثث المصريين القدماء قد تحولت في النهاية إلى سماد عضوي من أفضل أنواع الأسمدة المستخدمة.

وكان السباخون يعتقدون أن بقايا عظام المومياوات القديمة المحنطة – آدمية كانت أو حيوانية – هي الأفضل، وقد بلغ حرص الأهالي في الزقازيق في تل بسطة على الحصول على هذا النوع من السماد إلى الدرجة التي كانوا لا يراعون فيها الطريقة الصحيحة للحفر، مما يضع سلامتهم في خطر حيث لا يقومون بإجراء الحفر بالميل الطبيعي بل يحفرون بطريقة رأسيه، حتى أن بعض السباخين قضوا نحبهم دفناً تحت الأنقاض وهم يحفرون من أجل العثور على المومياوات لتحويلها إلى السماد الذي كان يسمونه «الكفرية» – لأنه مكون من جثث الكفار الوثنيين- وفي النهاية قد تحولت هذا السماد إلى تجارة مربحة يشتغل بها عدد كبير من الأوروبيون المقيمون في مصر وتصديرها إلى الخارج!

ولأن الثورة الصناعية كانت في أوجها، فلم يكن هناك بُد من استخدام الأكفان الكتانية لهذه المومياوات، وقد كانت أفضل صناعة يمكن استخدام هذه الأكفان الكتانية فيها هي صناعة الورق!

حسناً، علينا فقط أن نعرف أن الصحف الأمريكية قد نشرت في عام 1856 إعلاناً لأحد المصانع التي تتباهى بكونها تصنع أفضل أنواع الأوراق في الأسواق لأن ورقها مستخدم من أكفان المومياوات المصرية.

ولا نعرف إن كان هذا نوع من أنواع المبالغة أم لا ولكن الكاتب الشهير مارك توين كتب ساخراً أن المومياوات المصرية التي يبلغ عمرها ثلاثة آلاف عام كانت تستخدم كوقود للقطارات يتم شراءه بالطن، وربما بحسب تعبيره يمكن أن يصيح سائق القطار:«رفات العامة لا تحترق ، ولا تساوي مليماً، احضروا لي رفات فرعون!».

ألوان المومياء!

حسناً، لنقولها بصراحة ومرة واحدة : حتى في القرن التاسع عشر، استخدمت المومياء كـ «طلاء»!

ولا نعرف إن  كان هذا من قبيل الكفاءة  في التعامل مع الموارد  أم  لا ولكن ما حدث أنهم لم يهدورا أي مومياء إلا وقد “بهدلوها”.

عُرف في بداية القرن التاسع عشر نوع جديد من الطلاء باسم “Mummy brown” أو “طلاء المومياء البني” وهو طلاء بني اللون، بدأ تصنيعه في القرنين السادس عشر والسابع عشر من بقايا المومياوات ولاقى شعبية كبيرة في القرن التاسع عشر نظراً لتمتع الصبغة بشفافية عالية فاستخدمت في طلال الزجاج والظلال من أجل تلوين اللحم البشري في اللوحات الفنية.

واستخدم هذا الطلاء بشكل كبير لدى فناني الحركة الفنية المسماة “ما قبل الرفائيلية” والتي تكونت عام 1848، وهي رابطة تكونت من عدد من الرسامين والشعراء البريطانيين إحتجاجا على المستوى المتدني للفن الإنجليزي في ذلك الوقت.

واستخدم عدد كبير منهم هذا الطلاء المصنوع من لحم الملوك البائسين الذي «بهدلهم» الزمان، وانتهى بهم الأمر في أنبوبة ألوان!

من بين الفناني كان مارتين دورلينج الشهير والذي استخدمها في عدد كبير من لوحاته واشهرها لوحة “مجموعة الطهاة” والمسماة Interior of the kitchen”” والموجودة في متحف اللوفر الآن.

ولنا أن نعرف أن الفنان «إدوارد بورن حون» دفن بشكل إحتفالي –  يليق بدفن الملك – أنبوبة طلاءة البني في حديقة قصره عندما إكتشف أصولها الحقيقية!

وحتى عام 1915م كان أحد بائعين الطلاء والألوان في لندن يعلن أنه يستطيع تلبية احتياجات زبائنه من طلاء المومياوات لمدة 20 عاماً ، ولكن في النهاية توقف إنتاج المومياوات البنية في شكلها التقليدي، وفي وقت لاحق من القرن العشرين عندما استنفدت امدادات المومياء المتاحة!.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!