تقاريرسلايد

“ضرب الأمريكان بالحذاء”… خروتشوف.. الرئيس قاصف الجبهات

 

 

خروتشوف رئيس الإتحاد السوفيتي الذي أمتلك لسانا لا يمتلكه أفضل الخطباء في التاريخ ، أمتلك إلى جانب لسانه ذهن حاضر وفطنة في الرد جعلته واحد من أفصح من حكموا الاتحاد السوفيتي.

أّذا كنت من مواليد التسعينات فربما انت لا تعرف شيء عن العالم ثنائي القطب، لقد نشأت في عالم تسيطر عليه أمريكا كقطب أوحد يتحكم في كل شيء، بعد الحرب العالمية الثانية التي أنتهت سنة 1945 أصبح العالم يدار بواسطة دولتين يسموا القطبين الكبيرين هم الولايات المتحدة من جهة، والاتحاد السوفيتي من جهة أخرى، حتى تم حل الاتحاد السوفيتي في بداية تسعينات القرن الماضي ، فأصبحت أمريكا هى المتحكم الأول والأخير في العالم، والآمر الناهي به.

 

خروتشوف

هو نيكيتا خروتشوف رئيس الاتحاد السوفيتي (روسيا هي الوريث الشرعي له حاليا) من العام 1955 حتى عام 1964، واحد من أهم من حكموا الاتحاد السوفيتي، وله مواقف لا ينساها العالم غيرت شكل العالم في فترته، ولد نيكيتا خروتشوف في كالينكوفا بمقاطعة كورسك الواقعة على الحدود الفاصلة بين روسيا وأوكرانيا (تشهد حرب حاليا)،

– مواقفه التى لا تُنسي:

أذا قرأت في سيرة خروتشوف ستجدها عامرة بالمواقف التي لا يُمكن نسيانها، ومنها:

أول المؤيدين لقرار تأميم قناة السويس

حين قام الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس، اختلفت الآراء الدولية بين مؤيد ومعارض لهذه الخطوة والكثير رأى أنها بمثابة إعلان حرب، حيث انها تخص السيادة البريطانية على أرض مصر متمثلة في قناة السويس، وبينما كان الجميع يتحسس خطواته، كان خروتشوف أول من أصدر بيان يؤيد قرار التاميم ويصفه خطوة في خارطة استرداد الحقوق المسلوبة.

موقفه من العدوان الثلاثي على مصر

في عام 1956، قام الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس دون انتهاء عقد امتياز القناة، فتحركت جيوش إنجلترا وروسيا وفرنسا ناحية مصر بدعم من أمريكا، أي بعد عام واحد من تولى خروتشوف الحكم، الأمر الذي لم يستسيغه خروتشوف فوجه تهديد فوري لأمريكا ان لم تسحب الجيوش من مصر سيقوم بتوجيه ضربة صاروخية اليهم، لقد قال خروتشوف نصا “سيتم ضرب لندن وباريس بالأسلحة النووية إذا لم تنسحب الدولتين من الاراضي المصرية التي تتمتع بسيادة علي أراضيها، وهو التهديد الأول من نوعه بالضرب بالسلاح النووي، وهو الأمر الذي لم تتهاون فيه أمريكا وطلبت من الجيوش الثلاثة الانسحاب فورا من مصر، فانسحبت الجيوش الثلاثة وخرجت مصر من المعركة رابحة قناة السويس التي اعادت اليها مرة اخرى.

موقفه من بناء السد العالي:

حين شرع الرئيس جمال عبد الناصر في بناء السد العالي كان بحاجة إلى التمويل، ذهب عبد الناصر بطلب قرض من البنك الدولى وصندوق النقد الدولي لكن طلبه قوبل بالرفض، فذهب الى الاتحاد السوفيتي ولدي خروتشوف وجد ضالته فقام خروتشوف بتمويل بناء السد العالي ومعها علاقات طويلة الأمد بين الاتحاد السوفيتي ومصر على وجه التحديد من تسليح وصناعات ثقيلة، وانتهج خروتشوف إزاء بلدان العالم الثالث وبخاصة الدول العربية سياسة انفتاح وتفهم وتأييد، فاتخذ موقف حاسم من العدوان الثلاثى على مصر، وقدم المساعدات لبناء السد العالي فضلاً عن مئات المشروعات الصناعية، وكسر احتكار صناعة السلاح في المنطقة العربية (سوريا ومصر).

خروتشوف يتخصص في قصف جبهات الأعداء:

– مع رئيس فرنسا:

حين زار الرئيس الفرنسي “جورج بومبيدو” الاتحاد السوفياتي أثناء فترة حكم خروتشوف ، زارا معاً معملاً تُديره نساء سوفيتيات بدءاً من المدير وحتى أصغر عاملة، فأرتجل الرئيس الفرنسي كلمة قال ‏فيها ” أيها الشعب السوفيتي الكريم، إن وضع المرأة في الاتحاد السوفيتي مزرٍ جداً فهي لا تستطيع أن تعيش دون أن تبذل العرق والجهد، وهذا لا يليق بها ، وأتمنى أن يأتي اليوم الذي تصبح المرأة ‏السوفيتية كمثيلتها في الغرب، تأكل دون أن تعرق ودون أن تبذل الجهد، فما كان من خروتشوف الا ان يرد عليه قائلا : أشكر الزميل الفرنسي على تمنياته للمرأة السوفياتية، ولكن أقول له: أن ‏المرأة التي تنال طعامها بعرق جبينها خير بألف مرة من المرأة التي تنال طعامها بعرق أفخاذها.

ظل الشعب السوفيتي يصفق لخروتشوف لمدة 5 دقائق، شعر بها الرئيس الفرنسي بالإحراج، ولم يضف الرئيس الفرنسي أي كلمة، وأنتهت المباحثات وعاد من حيث أتي.

– مع الرئيس الأمريكي الجديد:

في عام 1960 كانت الانتخابات الأمريكية على أشدها، والعالم ينظر من سيحكم أمريكا هل هو مرشح الحزب الديمقراطي ” جون كيندي” ام مرشح الحزب الجمهوري المتحدث ريتشارد نيكسون ” ، حينها توجه صحفي بالسؤال إلى خروتشوف عن توقعاته للفائز وعن توجهات الاتحاد السوفيتي للتعامل مع فأجاب خروتشوف وهو يضع سيجاره الفاخر : كلا من نيكسون وكنيدي ( فردتا ) حذاء متشابهتان، فلا تفرق أن أتت اليمنى او اليسرى.

– حذاء الأمم المتحدة:

المكان الجمعية العامة للأمم المتحدة، والزمان عام 1960 والحدث عندما ضرب خروتشوف طاولة الوفد السوفيتي بحذائه اعتراضاً على خطاب رئيس الوفد الفلبيني لورينزو سومولونغ ، والحكاية بدأت من قبل هذا حيث ان لورينزو كان قد أنتقد السياسة الخارجية للاتحاد السوفيتي وتصرفاته في شرق أوروبا واصفاً إياها بالاستعمارية.

ويخلط الكثيرون الأمر ويروجون أن خروتشوف ضرب الطاولة بالحذاء اعتراضا على العدوان الثلاثي على مصر، وهو أمر غير صحيح، لأن العدوان الثلاثي كان عام 1956 وانتهى في نفس العام، بينما هذه الواقعة كانت عام 1960 بالتحديد في 112 أكتوبر عام 1960، اعتراضاً على خطاب رئيس الوفد الفلبيني لورينزو سومولونغ الذي انتقد فيه ما وصفه سياسات استعمارية سوفيتية. وكان اعتراض الموفد الفلبيني على سياسات السوفييت في أوروبا الشرقية وهو ما اعتبره خورتشوف رئيس الاتحاد السوفييتي آنذاك تدخلا مرفوضا، حيث طالب الوفد الفلبيني بمزيد من الحريات والديمقراطية في أوروبا الشرقية.

هذا الفعل قوبل بردود أفعال مختلفة من العالم، منهم من رفضه ومنهم من قبله، بينما كان خروتشوف فخوراً بما قام به ومتباهيا حيث قال عند عودته الى روسيا “ذهبتُ إلى أميركا وضربتهم بحذائي”.

Nikita Khruchchev Colour.jpg

تهييج الشعب الأمريكي:

عندما زار خروتشوف الولايات المتحدة للمرّة الاولى في أكتوبر عام 1960م لحضور اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك لقي من الأميركيين استقبالاً يتسم بعدم مراعاة اللياقة، خاصة وأنه ضيف ورئيس لدولة عظمى.

فقد رفضت أميركا نزوله في فندق قريب من الأمم المتحدة بدعوى تهديد الأمن القومي الأمريكي، ما جعله ينزل في حيّ “هارلم” الشهير وهو حىّ معروف بأمريكا بأنه حي “الزنوج”، ليحمل الأمر اهانة لرئيس دولة عظمى، وانتهز خروتشوف الفرصة ليهاجم أميركا والتفرقة العنصرية بها والحرية الرأسمالية الزائفة.

وأيضا ليمجّد الاشتراكية ويغني النشيد الأممي للاشتراكيين أمام الصحفيين وهو يخطب من شرفة الفندق. “انهضوا يا ضحايا الاضطهاد، سيخشى الطغاة قوتكم إذا نهضتم، لا تقلقوا على ممتلكاتكم، كيف تكون عندكم ممتلكات وأنتم من دون حقوق؟ انهضوا واهزموا الجهلاء العنصريين، إذا احترمتم أنفسكم ستسقط إمبراطورياتهم. ليست حريتهم إلا للأغنياء لكن الحرية للجميع”.

الجبان خفيف الظل:

في عام 1956 كان خروتشوف يلقي بمجلس النواب السوفيتي “الدوما” كلمة للشعب السوفيتي يندد بها بجرائم “ستالين” وكان خروتشوف أحد رجاله فيما سبق، فأرسل احد اعضاء الدوما رسالة الى خروتشوف _ دون أن يفصح عن نفسه _ ” لماذا سكت على هذه الجرائم وأنت أحد رجاله” ضحك خروتشوف وطالب من السائل الإفصاح عن هويته إلا أنه رفض، فضحك خروتشوف وقال له ما جعلني أسكت عن انتقاد ستالين هو ما جعلك تخشى أن تكشف لى عن هويتك.. كلنا في الهوى سوا.

ومع كل ما قام به خروتشوف الا أنه تم عزله من منصبه لعدة أسباب منها الإساءة إلى منصبه بحركات لا تمثل الاتحاد السوفيتي ومنها واقعة خلع الحذاء وغادر من منصبه عام 1964 وأنهي حياته في مزرعة بسيطة وبيت ريف أهدته له الحكومة السوفياتية حتى توفي سنة 1971 .

لتنتهي بذلك حكاية الرئيس الاخف ظلا، والاكثر حضورا في تاريخ الاتحاد السوفيتي.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!