تقاريرسلايد

قتل شبح.. الجريمة التي أوقعت بريطانيا في أزمة قانونية

أزمة قانونية حلت بعد 180 سنة

كتب – أحمد المرسي

ليس من المعتاد أن يكون هناك علاقة بين “تاريخ القانون” وقصص الأشباح، ولكن هذا بالضبط ما حدث في قضية شبح “هامر سميث” سنة 1804، مما أوقع بريطانيا في أزمة قضائية كبيرة لم تحل إلا بعد 180 سنة.

وإليك ما حدث..

شبح في مدينة الضباب

وسط المساكن القاتمة في لندن في القرن التاسع عشر، اجتاحت موجة من الرعب منطقة هامرسميث بغرب لندن، ولذلك بسبب أخبار عن شبح أدعى عدد من الناس أنهم رأوه، بل وتعرضوا لهجوم منه، وهو شبح لرجل قتل نفسه في العام السابق ودفن في باحة كنيسة هامرسميث.

كان الاعتقاد السائد في ذلك الوقت هو أن المنتحرين يحكم عليهم بالجحيم، ولا يجب أن يتم دفنهم في مكان مقدس، وعلى هذا فقد دفن هذا الرجل في باحة كنيسة، وهو مكان لم يكن ينبغي أن يدفن فيه.

اختلفت المشاهدات على شكل الشبح، وزعم بعض الشهود أنه كان طويل القامة ويرتدي كفن أبيض، وقال آخرون إنه كان يلبس ملابس من جلد العجل، وله قرون وعينان كبيرة تشبه الزجاج.

كانت تلك أزمان تنتشر فيها الخرافة بسرعة، وأصبح الناس مذعورين بشكل متزايد، ومع انتشار الأخبار قام هذا الشبح بأكثر من هجوم، خيث تعرضت امرأتين إحداهما مسنة والأخرى حامل لهجوم منه أثناء مرورهما أمام الكنيسة، وقد كان الهلع الذي أصابهما كبيرًا لدرجة أنهما ماتتا بعد فترة وجيزة من الصدمة.

ثم تعرض عامل مصنع الجعة “توماس جروم” للهجوم أثناء سيره في باحة الكنيسة ليلاً، وقال أنه قد انقض “شيء ما” علي من خلف شاهد القبر وأمسك بحنجرته. ولم يتوقف الهجوم إلا عندما ظهر خادم الكنيسة.

وفي 29 ديسمبر سنة 1803 حدثت آخر رؤية للشبح، قبل وقوع المأساة، عندما اكتشف حارس ليلي يدعى “ويليام جيردلر” الشبح في شارع “بيفر لين” وقام بمطاردته لكن الشبح تمكن من الفرار، بخلع كفنه الأبيض والاختفاء، ودفعت هذه الرؤية بعض المواطنين إلى القيام بدوريات مسلحة في المنطقة على أمل القبض عليه.

مأساة قتل الشبح

في ليلة 3 يناير 1804 إلتقى جيردلر أحد هؤلاء المواطنين المسلحين، ويدعى “فرانسيس سميث”، وكان يبلغ من العمر 29 عامًا، وكان شابًا لديه حماسة شديدة ورغبة في اصطياد الشبح، ويحمل بندقية، وأخبر الحارس أنه يبحث عن الشبح، ورتب الاثنان أن يلتقيا في الساعة 11 مساءًا، من أجل القبض على الشبح معًا.

في حوالي الساعة 11 مساءًا، كان عامل بناء يدعى توماس ميلوود عائدًا إلى منزله بعد زيارة والديه وشقيقته، وفي تلك الفترة كان عمال البناء يرتدون جميعًا ملابس بيضاء، وكان ميلوود يرتدي بنطلون كتان أبيض بالكامل، مغسول نظيف للغاية، وصدرية من الفانيلا، جديدة على ما يبدو، بيضاء جدًا، ومئزر حول وسطه، ولذالك كان يسهل تخمين ما حدث بعد ذلك.

وفقًا لشقيقة ميلوود، آن، التي سمعت ما حدث من شباك المنزل، فقد قال سميث: “اللعنة عليك؛ من أنت وماذا أنت؟ اللعنة عليك، سأطلق النار عليك”، ثم أنه أطلق النار على ميلوود في رأسه!

أزمة قضائية

عند سماع إطلاق النار هرع العديد من الجيران لمعرفة ما حدث، ووجدوا سميث مضطرب يقف فوق الجثة، فطلبوا منه العودة إلى منزله، ولكن قبل أن يحدث هذا جاءت الشرطة وقبضوا عليه، وتم بعد ذلك نقل جثة ميلوود إلى نزل قريب، حيث قام جراح بفحصه، حيث اكتشف أنه أصيب بطلق ناري في الجانب الأيسر من الفك السفلي برصاصة صغيرة، واخترقت إحدى الرصاصات فقرات رقبته وأصابت النخاع الشوكي.

تمت محاكمة سميث بتهمة القتل العمد، ولم تكن المحاكمة تسير على ما يرام بالنسبة له، فقد بدأ الأمر بإخبار أرملة ميلوود الدامعة للمحكمة كيف حذرت زوجها وضرورة تغطية ملابسه البيضاء، عندما انتشرت شائعات الشبح. وقد كانت تخشى على سلامته.

ثم أدلت أخت ميلوود بشهادة دامغة. وذكرت أنه على الرغم من أن سميث حذر شقيقها أولاً وطلب منه التوقف، إلا أنه أطلق النار على الفور، ولم يمهله الوقت، وكان رأي رئيس القضاة اللورد بارون والسير أرشيبالد ماكدونالد، رئيس هيئة المحلفين بأن العمد ليس  الضرورة الواحدة لإصدار حكم الإدانة بل مجرد نية القتل.

أشار القاضي إلى أن ميلوود لم يهاجم سميث مطلقًا. وعلاوة على ذلك، لم يقم سميث بأي محاولة “للقبض” على الشبح واختار إطلاق النار فور رؤيته، وعلى هذا النحو، فقد شعر أن القتل لا يمكن اعتباره دفاعًا عن النفس أو إطلاق نار عرضيًا.

قدم الدفاع عددًا من الأدلة عن حسن شخصية سميث لكن القاضي لم يقبل أي منها، وأخبر هيئة المحلفين أن حسن الخلق لا علاقة له بالقضية، وأن سميث قد أطلق النار على ميلوود بشكل واضح وبسيط. وشدد على أن ميلوود لم يرتكب أي خطأ. وأنه حتى لو كان يتظاهر بأنه شبح، فإن تلك مجرد جنحة وليست جريمة يستحق القتل عليها.

وبعد ساعة من النظر، حُكم على سميث بالشنق والتشريح. ولكن بعد تقديم إلتماس إلى الملك، تم تخفيف العقوبة إلى الأشغال الشاقة لمدة عام.

الحل بعد قرنين

يكمن جوهر القضية في ما إذا كان يمكن تحميل سميث المسؤولية عن أفعاله أم لا حتى لو كانت نتيجة لاعتقاد خاطئ (كون ميلوود شبحًا).

في عام 1984 قررت محكمة الاستئناف أنه عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن النفس، يجب أن يؤخذ في الاعتبار ما إذا كان المتهم مخطئًا أم لا أثناء المحاكمة. وتك التشديد على ذلك، وتمت الموافقة على القرار لاحقًا من قبل مجلس الملكة ليصبح قانونًا في قانون العدالة الجنائية والهجرة لعام 2008.

خاتمة

لو تمت محاكمة سميث بعد 180 عامًا، فهل كان سيفلت من قتل ميلوود؟ هذا لا يزال مطروحًا للنقاش، ففقد خرج سميث للبحث عن المتاعب ووجدها. ومن المحتمل أن ينال عقوبة أكبر من تلك العقوبة التي نالها منذ 180 سنة.

سواء أكان سميث مخطئًا أم لا، فقد فقد رجل بريء تمامًا حياته في تلك الليلة، ولدى المملكة المتحدة الآن قواعد صارمة بشأن مقدار القوة التي يمكن استخدامها في الدفاع عن النفس، ومن الصعب تصديق أن أي هيئة محلفين حديثة قد تعتبر إطلاق النار على رأس شبح ببندقية “قوة مقبولة”.

ولكن يبقى سؤال واحد، من هو شبح هامرسميث؟

اتضح فيما بعد أن الجاني الحقيقي كان صانع أحذية مسنًا ومخادعًا اسمه “جون جراهام”. وبسبب الدعايا المحيطة بالقضية قدم اعترافه امام الشرطة، حيث كان تلميذه يخيف أحفاد “جراهام” بقصص الأشباح، وقرر أن يلقنه درسًا من خلال ارتداء ملابس شبح!

 

أقرأ أيضًا:

 

مومياء سيلفستر.. أن تحنط جثتك رمال الصحراء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!