لم أشاهد الخطيب هو يلعب كرة القدم، لكن أبي كان يعشقه، كل من شاهد الخطيب عشقه، في كل جيل هناك لاعب يستحوذ على حب جمهور الفريق، بل يتخطاه إلى حب جماهير فرق آخرى، الخطيب، أبو تريكة، حازم إمام، حسن شحاتة، علي أبو جريشة، محمد حازم، ورضا، فأحببت الخطيب لحب والدي له.
ولد الخطيب في 30 أكتوبر عام 1954 في قرية قرقيرة بمركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية، وكان ترتيبه العاشر في الأسرة، وحاولت الأم إنزاله بكل لطرق لكن فشل الأمر، كان الطفل محمود متشبثا بالحياة، ربما ليسمع الجماهير التي تهتف له، بيبو بيبو الله يا خطيب.
محاولة إجهاض فاشلة
حاول الحاج إبراهيم إجهاض زوجته فى شهور الحمل الأولى، وذلك بعدما ذهب للدكتور يوسف جوهر طبيب النساء والتوليد بناء على نصيحة وصفى باشا أباظة وكيل مجلس الدولة فى ذلك التوقيت، والذى نصح إبراهيم الخطيب والد محمود الخطيب بالذهاب للدكتور يوسف جوهر من أجل تنظيم الإنجاب.
وبالفعل أرسل الدكتور أحد معاونيه للبدء فى عملية الإجهاض ولكن شاء الله أن تفشل العملية ليقول الدكتور لوالد الخطيب “روح يا شيخ ربنا عايز الولد ده ينزل.. احنا يعني هنقف قدام إرادة ربنا”
أصول الخطيب سورية، حيث كان جده لوالده من سوريا، حيث نزح مصر وعاش بها، وكان من المعمرين حيث عاش 124 سنة، وكانت عائلته تعمل في الخطابة، فسميت بعائلة الخطيب.
ومن القرية انتقل الطفل الصغير مع أسرته إلى القاهرة، كان الخطيب يحب كرة القدم، لكنه بدأ حياته لاعبا لرفع الأثقال وكان دائما يقوم بممارستها فى المنزل من خلال حمل الأشياء الثقيلة للتدريب على رياضته المفضلة، وكان الأب يرفض لعب ابنه لكرة القدم، وكان يقوم بإغلاق الغرفة عليه، لكن الطفل محمود كان يقفز من الشباك ويلعب المباراة ويعود للمنزل مرة آخري، بحسب رواية الاب في لقاء تلفزيوني نادر.
كان لمحمود الخطيب تاريخ مميز مع الإصابات في طفولته، فالحاج إبراهيم كان معتاد لاصطحاب ابنائه لقريتهم في الإجازات، وكان محمود يلعب في فريق القرية لمواجهة القرى الآخرى، فاز فريق محمود الخطيب على فريق القرية المجاورة، وانتقاما منه قرر لاعب الفريق الآخر إصابته، فتسبب له في جرح غائر من الركبة حتى القدم، وكان الدم يسيل بلا توقف، الأمر الذي قرر الأب معه أن “كفاية كده يا محمود.. مفيش كورة تاني”.
اصطحب الأب ابنه محمود لدكتور شهير اسمه عدلي جندي أستاذ الجراحة بجامعة القاهرة، لكي يعالجه وينق ما يمكن انقاذه، في المرة الثانية ذهب محمود مع شقيقه للعب كرة القدم فوق سطح المنزل، مع انغماس محمود في اللعب لم يلاحظ “سيخ الحديد البارز من السطح”، فدخل بقدمه فيه، فأصيب في مشط رجله، وصار الدم بغزارة، وهي المرة الثانية التي يري فيها الحاج إبراهيم الدم يسيل من ابنه بسبب كرة القدم، فذهب به للدكتور عدلي جندي في الزيتون، وكان الأب يحمله في كل كشف.
هل كانت الإصابة تمنع الخطيب من لعب كرة القدم؟
تقول شقيقته، إن محمود كان يقوم بعمل كور من الشرابات ويظل ينطقها على قدمه السليمة، كان الابن مهووسا بالكرة، وكان الأب كارها لها، ويري إنها ستجلب له الكافية، وظل الأب طيلة مسيرة محمود الخطيب الكروية يتوقع إصابته في كل مباراة، يقول الحاج إبراهيم: “اهو بقى معروف وبيلعب، برضه بيعوروه في الماتشات”، الخطيب كان من أكثر لاعبي كرة القدم في مصر تعرضا للإصابات.
كما حاول طلاب مدرسة عزبة النخل الابتدائية إلقاء الطفل محمود فى الترعة المجاورة للمدرسة، بعدما ساعد مدرسته على الفوز على مدرسة عزبة النخل الابتدائية، واستغل الخطيب وجود شقيقه الكبير معه ليساعده على الهرب والجرى حتى المنزل.
انضم الطفل محمود لنادى النصر بمصر الجديدة، وعندما بلغ الخامسة عشر من عمره بات اسمه يتردد في مجال الكرة خاصة خلال مشاركته في دوري المدارس مع المدرسة الرياضية، ويصفه من يشاهده إنه كان متعة للعين،
كان مثله الأعلى حينها هو بيليه، وعندما كان طفلاً كان يوفر مصروفه لدخول السينما، ليس حبا في السينما، ولكن لأن السينما كانت تعرض بعض أهداف بيليه ومهاراته بين كل فيلم والفيلم التالي، فكان مفتونا بمهارات النجم البرازيلي على الشاشة الكبيرة، لذا نشأ ارتباط وثيق بين بيبو والرقم 10، الذي سيرتديه لاحقا طوال مسيرته.
لعب الأهلي مع نادي النصر في مباراة ودية، وتعادل الفريقان 2-2، سجل الخطيب ثنائية النصر، فقرر الأهلي شراء اللاعب، لكن النصر ماطل في الأمر، وفي المباراة التالية بين الأهلي والنصر، فاز النصر 5-2، وسجل الخطيب ثنائية للنصر، ودخل الإسماعيل على خط المفاوضات، خاصة إن الاسماعيلي كان يقيم في مصر بسبب النكسة، لكت وافق مسئولو نادي النصر على انتقال الخطيب إلى نادي الأهلي بعدما كان قريبا من التوقيع للإسماعيلي، وكان عمر الخطيب 16 سنة فقط حينها، وكان عراب الصفقة فتحي نصير، ومن هذا الوقت، ارتبط اسم الخطيب بالأهلي، ولم يرتبط بنادي غيره، لا كلاعب ولا كمدرب ولا كإداري.
لكن لماذا فضل الخطيب فتحي نصير؟
يقول فتحي نصير إنه كان في اختبارات للمدارس الثانوية الرياضية، وكان على الطلبة المشتركين في البطولة إن يقوموا بعمل مهارات تحكم بالكورة لمدة دقيقة دون أن تسقط الكرة على الأرض، فقام الخطيب برفع الكرة على رأسه، وظل يلاعبها برأسه، ولم تسقط طوال الدقيقة، وقتها قرر فتحي نصير أن يضع اسمه في كشوف المقبولين للالتحاق بالثانوية الرياضية، وكان الخطيب هو الوحيد الذي نجح في هذا اليوم.
في أول مباراة للخطيب مع الأهلي، شاء القدر أن يقابل الخطيب فريقه السابق النصر، وفاز الأهلي 4-0، سجل الخطيب وقتها الرباعية كلها، في المباراة الأخيرة من الموسم واجه الأهلي الزمالك، وعلى الرغم من رغبة صالح سليم في تصعيد الخطيب ومصطفى يونس للفريق الأول، لكن فتحي نصير (مدرب فريق الشباب حينها) نجح في إقناعه بتركهما لمواجهة الزمالك أولا، وفاز الأهلي بالمباراة، لكن هناك خلاف على النتيجة، لكن في نهاية الموسم، تم الإعلان عن الخطيب كأفضل هداف في بطولة تحت 17 سنة، فتم ضمه للفريق الأول في موسم 1972/73.
وفاة والدة محمود الخطيب
في عام 1974 كان الخطيب قد بدأ سلم النجومية، زبرغم الفرحة التي كان يعيشها الخطيب معشوق الأهلاوية في هذا الوقت، لكنه كان يتألم كل يوم عندما يرى والدته تشكو من آلام الكلى.
يقول الخطيب في لقاء تلفزيوني مع إيمان الحصري: “كانت تحضرلي الأكل، وتصر إن هي تحضره، وبعدين تدخل الأوضة، أشوفها بتعض في قماشة من كتر الألم”، فقرر بيبو اللجوء للدكتور إبراهيم الوكيل أحد رموز النادى الأهلى لمساعدته في علاج والدته، فقال له الدكتور الوكيل: “هاتها يا محمود ونشوف دكتور كلي كويس، ومتقلقش”.
قرر الأطباء ضرورة إجراء عملية جراحية لها، وهنا رفض والده الحاج إبراهيم ناصحا محمود الخطيب بعدم اللجوء للجراحة، خاصة أن الطبيب الذي أجرى لها عملية جراحية في 1962 حذر من تكرار الجراحة، لأن ذلك سيؤثر عليها بالسلب وقد يؤدي للوفاة..
فقال له أبوه: “أنت كنت صغير، الدكاترة عملولها العملية سنة 62، وقالوا لو تعبت متفتحوش تاني، علشان هتموت”.
لكن الأطباء نجحوا في إقناع محمود الخطيب بضرورة التدخل الجراحي لتخليصها من الألم ولأن الطب تقدم ولأن 12 سنة في عمر الطب هو تاريخ طويل، دخلت فيه تقنيات حديثة، نجح الخطيب في إقناع والده، وتمت العملية بنجاح، وظل بيبو بجوار والدته حتى الصباح.
يقول محمود الخطيب لإيمان الحصري: “شاهدت أمي كما لم أرها من قبل، كانت في قمة جمالها، وابتسامتها لاتزال عالقة في ذهني حتى الآن”، فشعر بالاطمئنان عليها ووجدها في أجمل صورة، فذهبت للنادي فرحا ليشارك في المران، وكان يشعر إنه أسعد إنسان في مصر، لكنه بعد لحظات سيكتشف البؤس المقبل عليه.
ناداه فجأة مدربه عبده صالح الوحش، ظن الخطيب إنه يريد لفت انتباهه لشيء ما في التمرين، لكنه طلب معه الدخول لإحدى الغرف، وجلس معه ليحدثه عن الأم وتأثيرها في حياة أي إنسان، فسأله الخطيب: “هو فيه حاجة يا كابتن”، فقال الكابتن عبده صالح الوحش: ”
– البقاء لله يا محمود، الحاجة تعيش إنت.
فهرول الخطيب خارج النادي وخلفه بعض الزملاء، يذكر منهم الخطيب الكابتن عبد العزيز عبد الشافي زيزو.
يقول الخطيب: “عندما ذهبت للمستشفى أبلغوني بأن الجثمان تم نقله للمنزل.. فتوجهت إلى هناك.. وهنا واجهت أصعب لحظة في حياتي.. ارتميت في أحضان والدي الذي قال لي باكيا:
– مش قلتلك يا محمود بلاش عملية وأنها هتموت..
يكمل الخطيب متأثرا: “شعرت وقتها بأنني السبب.. لكنه أمر الله وقدره”.
لم يكن الخطيب قادرا على دخول المنزل، ولم يكن قادرا على الكلام، فقرر المبيت عند صديق له، ووقتها جاء له والده، وقاله له: “أنا عارف اللي انت فيه، بس أنتوا عندكم ماتش مهم مع الترسانة، والجمهور دا ليه حق عليك، هو اللي عمل اسمك، وانت لازم تفرحه وتخرجنا كلنا من الأحزان اللي احنا فيها، الحزن في القلب يا بني ولازم الحياة تستمر”.
الوالد الذي كان يري الكرة نكبة على ابنه، وإنها ستفقده عمره، هو من يطلب من الخطيب أن يلعب كرة القدم لكي يخرج الأسرة من أحزانها.
فشارك الخطيب فى مباراة رسمية للأهلي بعد وفاة والدته بـ 72 ساعة فقط أمام الترسانة، ووقتها دخل محمود الخطيب ستاد القاهرة ليفاجأ بـ60 ألف متفرج من الفريقين يوجهون له العزاء على طريقتهم الخاصة، بالنداء عليه بصوت منخفض وحزين وكأنهم يشاركونه الأحزان.
كان الترسانة في هذا الوقت فريق قوي للغاية، وانتهى اللقاء 0-0، وكانت نقطة مهمة لكي يقترب الأهلي من اللقب، يقول الخطيب: “مش فاكر أنا لعبت إزاي أصلا، مكنتش شايف الكورة، كنت بجري وخلاص، بس الجمهور كان راضي، والنقطة كانت مهمة لينا.
نكمل في الحلقة القادمة
