ولد محمد الفايد في 27 يناير 1929، في منطقة رأس التين بالإسكندرية، لأب بسيط كان يعمل مدرساً للغة العربية، وعاش حياة صعبة للغاية مثله مثل أبناء الطبقة الفقيرة في مصر، وتنقل في صغره بين عدة أعمال، فعمل لفترة كـعتال وبائع للمشروبات الغازية بميناء الإسكندرية، وانتقل في بداية حياته إلى المملكة العربية السعودية للعمل في بيع ماكينات الخياطة، وهناك تعرف على تاجر السلاح الشهير عدنان خاشقجي، الذي وظفه في التجارة، ووجد خاشقجي في الفايد شيئا مختلف، فزوجه من أخته سميرة خاشقجي في عام 1954، لينجب منها ابنه عماد الشهير بدودي الذي سيرتبط بعلاقة مع الأميرة ديانا. (سميرة هي ابنة الدكتور محمد خاشقجي، الذي كان طبيب الملك عبدالعزيز ومؤسس المملكة العربية السعودية).
وكان الفايد هو أول من وضع أرصفة لميناء دبي، الذي تحول لميناء عالمي بعد ذلك، والفايد هو من جعل الحياة تدب في الميناء، فأصبح لدبي مرسى سفن من جميع أنحاء العالم مما أدى إلى زيادة الثقة بين الفايد والشيخ راشد، واكتسب ثقة حكام دبي فطلب منه الشيخ راشد أن يأتي له بشركات لاستخراج البترول وكان ذلك على نفقة الفايد شخصياً.
فذهب الفايد إلى الشركات الأجنبية التي تستخرج البترول وأقنعهم بأن يأتوا إلى دبي لأنها مستقبل الاستثمار في البترول، واقناعهم بضخ الأموال في دبي، وبالفعل تم استخراج 300000 برميل يومياً مما ساعد الفايد على تكوين ثروة هائلة وتحكم هو في سعر البترول ورفع سعره، حيث كان بينه وبين الشيخ راشد اتفاقية تنص على مشاركة الفايد بأرباح 20% من أرباح البترول (وهي أرقام شديدة الضخامة)، وفي الوقت نفسه كان الشيخ راشد قد سجّل عقدا للفايد بأن يمكث ميناء دبي تحت مسئولية وإدارة الفايد لمدة 25 عاماً.
وساهم الفايد في العديد من المشاريع في دبي وكان سبب النهضة والنقلة التاريخية التي انتقلت بها دبي لمدينة ناطحات السحاب وحلم الحياة للكثير من سكان العالم، وبعد ذلك نقل نشاطه إلى بريطانيا واستقر بالإقامة فيها منذ عام 1974
بدأ محمد الفايد عمله الخاص في تجارة الشحن في مصر، ودخل عام 1966 في نشاطات تجارية مع سلطان بروناي، الملك محمد حسن البلقية، واحد من أغنى رجال العالم، وكان الفايد شديد الذكاء، وقادر على إقناع أي شخص بما يريد، ثم اشتري فندق “دور شستر”، وحقق ثروة طائلة، ليشتري فندق ريتز الشهير في باريس في نفس العام (لاحقا سيبيعه شرائه في الثمانينيات لمنير صالح ثابت، شقيق سوزان مبارك، لأنه كما نعلم جميعا له ما له وعليه كتير).
لكن شهرة محمد الفايد العالمية وإشارة الصحف له، كانت عندما اشتري قصر دوق وندسور في باريس، وأرسل قائمة بمحتوياته من التحف إلي الملكة إليزابيث، ملكة المملكة المتحدة، لكي تختار منها ما تشاء، وهي اللقطة التي أدخلته في دائرة اهتمام العائلة المالكة.
ولأن السلطة والمال، لا يتزواجان بالمجان، فقد استطاع الفايد بعد ذلك السيطرة، على 65% من أسهم «هارودز» بموافقة السلطات البريطانية مقابل 615 مليون جنيه إسترليني، وهي المحلات الشهيرة التي كانت الملكة إليزابيث تشتري ملابسها ولوازم القصر منها.
لكن لأن السياسة ليس بها عداوة دائمة ولا صداقة دائمة، فقد ساد التوتر علاقة «الفايد» بالأسرة المالكة البريطانية بعد مصرع ابنه الأكبر «دودي» مع الأميرة ديانا، بعدما قيل إنه من تدبير المخابرات البريطانية بمعرفة الأسرة المالكة البريطانية بالتعاون مع المخابرات الفرنسية، خاصة أن الفايد كان مؤيد لهذه النظرية.
الفايد الذي يعد من أشهر المستثمرين في العالم، ويمكنه تحريك الأسواق لم يحصل على الجنسية البريطانية بسبب تعنت السلطات ضده، خاصة بعد قضية ديانا ودودي التي كانت تزعج الملكة شخصيا.
لا يمكن حصر ممتلكات محمد الفايد، فهو واحد من أغنى أغنياء العالم وثروته تقاربالـ 4 مليار دولار وفقا للمعلن عنه، وأكثر المتملكين للثروات والممتلكات الخاصة، فلديه عدد من الطائرات الخاصة، وقصر كبير للغاية قرب لندن، وقلعة خاصة من العصر الـ18 في اسكتلندا، تخيل شخص يمتلك قلعة، وكذلك قصر في منتجع جشتاد السويسري، وقصر في سانت تروبيز بجنوب فرنسا، وعدد من اليخوت منها يخت شديد الفخامة أطلق علية اسم «سوكار» ثمنه 40 مليون دولار، وعشرات الممتلكات حول العالم، بجانب ذلك اشترى نادي فولهام الإنجليزي في عام 1997 مقابل 6.25 مليون جنيه إسترليني، وظل النادي بحوزته، حتى باعه في يوليو 2013، إلى رجل الأعمال الأمريكي شاهد خان، مقابل 200 مليون جنيه إسترليني.
كان محمد الفايد مهووس بفكرة تملك الأشياء النادرة التي تجعل الصحافة تتحدث عنه، فيحقق شهرة كبيرة من ورائها، ومنها، شراء أغلى حذاء في العالم الذي يقدر ثمنة بـ 2 مليون دولار وهو مرصع بالمجوهرات والأحجار الكريمة.
في سنة 2006، أوصي محمد الفايد بوصية هي الأغرب، حيث أوصى بتحنيط جثته عقب وفاته وصبها في قالب هندسي لتستخدم المومياء بعدها كأحد عقارب الساعة العملاقة التي تزين قمة المتجر الرئيسي لسلسلة محلات «هارودز»، لكن في 8 مايو 2010، باع «الفايد» أسهمه في «هارودز» مقابل مبلغ 1.3 مليار جنيه إسترليني أي ما يعادل 2.5 مليار دولار أمريكي لشركة «قطر القابضة للاستثمار» المملوكة للحكومة القطرية.
وبالتالي غير رأيه في التصرف في جثته بعد وفاته، وقال إنه لن يعود لمصر إلا جثة، لكن حتى هذا لم يتحقق، فقد تم دفنه في غرفة دفن بجوار نجله دودي فايد في ضريح تحرسه تماثيل الأسود وأبو الهول في ملكية العائلة التي تبلغ مساحتها 226 فدانًا في مقاطعة ساري.
كان محمد الفايد يقول عن قبر دودي: “آتي إلى هنا كل يوم، ربما لمدة ساعتين أو ثلاث ساعات، وتعود إليّ الذكريات وأنا جالس، أصلي وأفكر في دودي، ولكن في بعض الأحيان أقوم بعملي هنا أو أتناول وجبة الإفطار، اللافت أن محمد الفايد مات في عشية الذكرى 26 لرحيل ديانا وابنه دودي الفايد.
كان الفايد بجوار ثروته الطائلة، هو الواجهة لاستثمارات السلطان. وأقنعه بالاستثمار في بريطانيا، والذي غني له عمرو دياب في أغنية الحفلة: ” أحلى بنات في الكون حواليا تقولش بقيت سلطان بروناي”.
شهادة محمد الفايد في مقتل ديانا
وفي شهادته عن مقتل ديانا، قال الفايد: “فيليب زوج الملكة اليزابيث ووالد زوج ديانا السابق “نازي” و “عنصري، هل تعرفون اسمه الاصلي – انه ينتهي بفرانكنشتاين، وديانا عانت لمدة عشرين عاما من عائلة دراكولا هذه.”
وأضاف: “أجهزة الامن البريطانية قتلت ديانا بناءا على أوامر من الأمير فيليب، والأمير تشارلز شارك في قتلها، وأنني على يقين اإنه كان يعرف ما سيحدث، بسبب انه كان يرغب في المضي قدما والزواج من كاميلا وهو ما حدث… لقد قضوا عليها قتلوها، وتزوج من زوجته التمساح وهو سعيد بذلك، وما حدث مذبحة لا قتل.”
وفجر مفاجأة في التحقيقات عندما قال: “ديانا ابلغتني بالهاتف إنها حامل. وانا الشخص الوحيد الذي أبلغاه. وابلغاني بأنهما خطبا بعضهما لبعض وسيعلنان ذلك صباح الاثنين (بعد ثلاثة ايام من الحادث)”.
من يرث محمد الفايد؟
تزوج محمد فايد في حياته مرتين، الأولى من سميرة خاشقجي كما أشرنا، وتزوج للمرة الثانية من سيدة فنلندية تدعى هيني واثين عام 1985، وأنجب منها 4 أبناء هم ياسمين وكريم وكاميلا وعمر، وهم ورثة محمد الفايد.
ابنته ياسمين الفايد، رائدة في عالم الموضة، ولديها دار لعرض الأزياء، وماركة ملابس باسمها، ومتزوجة ولديها طفل، ويعتبره محمد الفايد الأقرب لقلبه، أما كريم محمد الفايد فشغوف بالتصوير، وهو الذي يدير أملاك أسرته.
وعمر الفايد، فهو في الخامسة والثلاثين من عمره، ويدير بعض الشركات الخاصة به، وهو من أنشط الشباب في عالم الأعمال، أما كاميلا الفايد فهي مهتمة بالأعمال الخيرية، وتعمل في مجال الأزياء والأعمال الخيرية.
بقى أن نشير أن حياة محمد الفايد تم تجسيدها في مسلسل The Crown، وقدم شخصيته شابا الفنان أمير المصري، وقدم شخصيته في المراحل السنية الأخرى الفلسطيني سليم ضو، وقال عنه بعد وفاته: “لقد اتيتَ من لا شيء، واصبحتَ كلّ شيء.. ما معنى هذه الصدفة، أن تتركنا وترحل، يوم ميلادي بالتحديد؟! ربما هي صدفة، لكنها ليست كأية صدفة.. منذ اللحظة الأولى لقرائتي نصوص مسلسل ذا كراون “التاج”، قبل أكثر من سنتين، بدأت رحلتي معك، رحلة كالحلم دامت سنتين، مليئتين بتفاصيل لا تحصى ولا تعد، تفاصيل إنسانية مكتظة بتحديات صعبة ومشاعر مختلفة الفحوى والمعاني، لكنها جميلة وممتعة، بنفس الوقت”.
حاول الفنان الفلسطيني التواصل مع محمد الفايد للوقوف على بعض تفاصيل الشخصية بنفسه، لكنه لم يستطع ذلك، فقال عنه في تدوينة عبر حساباتهبمواقع التواصل: “اشكرك صديقي، الذي لم التقي بك ابدا، ولم اسمعك وتسمعني.. اشكرك على وجودك معي سنتين، وإعطائي فرصة تجسيد شخصيتك العملاقة، انت شخص نادر، عبقري وفذ.. شكرًا لك من اعماق قلبي.. كنت متأكدًا، أنني لن انساك ابدا، لكنّك تركتنا يوم ميلادي، ولم تترك لي اية فرصة لأن انساك.. قل لي، كيف لي أن أنساك؟! انا حزين، لكن هذه هي الحياة.. ارقد بسلام محمد الفايد، صديقي، أيها الإنسان الجميل المعطاء، الف رحمة من الله، لروحك..”.
لم يحصل محمد الفايد على الجنسية البريطانية رغم ثروته الهائلة واستثماراته الضخمة وعلاقته التي وصلت للملكة نفسها، لكنه استطاع التلاعب ببورصتها واستثماراتها، استطاع أن يكون الرجل الأشهر في عالم الأموال فيها، حتى دُفن على أرضها بجوار ابنه، الذي قتلوه لأنه اقترب من والدة الملك المستقبلي، وزوجة ابن الملك الحالي، أميرة القلوب ديانا.
أقرا أيضا
