الفنسلايد

“الحلو أكله الأسد”.. القصة الحقيقية لمقتل مدرب الأسود محمد الحلو

لو سألت أي مصري عن الحلو، سيقول لك جملتين الأولى “الحلو بعد الكشري”، في إشارة لارتباط محلات الكشري في مصر بتقديم الحلو بعد الوجبة الشهيرة، والثانية “الحلو أكله الأسد”، في إشارة الى مقتل مدرب الأسود المصري محمد الحلو على يد الأسد سلطان، أثناء عرض سيرك، في قصة هي الأشهر في عالم السيرك في مصر، لكنها تتردد بشكل خاطئ، فدعونا في هذا المقال نحكي القصة الحقيقية لوفاة مدرب الأسود محمد الحلو، على يد الأسد سلطان.

من هو محمد الحلو؟

مدرب الأسود محمد الحلو

محمد الحلو، سليل عائلة الحلو الشهيرة بعالم السيرك ( بالمناسبة منهم المطرب محمد الحلو)، وجده الكبير هو محمد علي الحلو الذي أسس سيرك الحلو عام 1889 الذي حاول الاستفادة من الفرق الأجنبية التي كانت تقدم عروضا في عهد الخديو إسماعيل، (حدثت منافسة بين سيرك الحلو وسيرك عاكف الذي كان يمتلكه والد الفنانة هند عاكف، لكن سيرك عاكف لم يصمد في المنافسة).

وبعد ثورة 23 يوليو قرر عبد الناصر أن ينشئ سيركا قوميا يكون مقره حي العجوزة في مصر، ويطل على نهر النيل، واستقدم الخبراء السوفيات للاستفادة من تجربتهم في مجال السيرك وتم افتتاح مدرسة السيرك في عام 1962، وبدأت في تخريج مدربي السيرك حتى افتتاح السيرك القومي رسميا في 1966.

ولسنوات ظل السيرك القومي المصري رائدا بين الدول العربية وكانت الدول العربية تتلهف على جولاته بينها، لكن أندثرت فنون السيرك في الأونة الأخيرة مع ظهور حركة حقوق الحيوان، وكشفها عن تعرض الحيوانات في السيرك لمعاملات شديدة القسوة، وبدأت أنظار الناس تنصرف عن السيرك، أسال نفسك، متى آخر مرة شاهدت عرض سيرك، ربما لم تشاهده في حياتك.

سبب شهرة محمد الحلو

ومحمد علي الحلو بطل قصة اليوم، هو مدرب أسود مصري، كان يعمل في السيرك القومي بالعجوزة في فترة السبعينيات، ويعد من أشهر مدربي الأسود في مصر والوطن العربي، بسبب خبرته في تدريب الأسود، وكذلك مشاركته السينمائية، حيث شارك في عدد من الأفلام كدوبلير للفنان فريد شوقي، وكذلك ظهر في بعض مشاهد الأكشن في السينما، كمشهده الشهير في فيلم “البحث عن فضيحة”.

قصة مقتل محمد الحلو، لها أكثر من رواية، نوردها في هذا التقرير، وهي:

– رواية يوسف إدريس

أصدر الكاتب يوسف إدريس عام ١٩٨٠ كتاب “أنا سلطان قانون الوجود” بعد الحادث بسنوات، ويحكي في الفصل الأول منه روايته على قصة مقتل مدرب الأسود محمد الحلو، لأنه كان شاهد العرض، يقول يوسف إدريس:” لا أعتقد أن أحدًا — خارج أسرة مدرب الأسود محمد الحلو — قد حزن لمصرعه مثلما حزنت، وذلك أن القدَر ليلتها ساقني لأدخل السيرك، وكانت ليلة الافتتاح”.

كانت أول ليلة من ليالي رمضان، ودخلت الأسود، سود ستة، زيتية الصفار أو رمادية البنية أو بلا أي لون له اسم، متشابهة، كثرتها تمنع عنها جلال التفرُّد، وقال المذيع: ” الآن نقدم … بطل الأسود … وقاهر الملوك … ملوك الغابة … البطل محمد الحلو”.

كانت كل الأسود تمد رجلها للأمام، ما عدا الأسد قبل الأخيرة، وكان اسمه جبار، فتوجه إليه محمد الحلو، ليؤدبه، ويجعله يمد ساقه للأمام، فنام الأسد ورفض أن يستجيب، فولي الحلو عنه الأدبار، لكن الأسد جبار، لم يكن هو المجرم، وإنما كان الأسد الأول من ناحية اليمين، واسمه سلطان، اندفع ينهش لحم صاحبه المدرِّب، ويعضه، ويكسر قيوده ويستعيد نفسه، ونستغرب بعد هذا لماذا صام «سلطان» عن الطعام وقضى الأيام التالية حزينًا، الحزن في رأيي كان سببه أنه أبدًا لم يُرِد أن يحدث ما حدث.

الرواية الثانية هي رواية لوبا الحلو حفيدة محمد الحلو والتي تقول : ” أثناء العرض وأمام الجمهور، هجم على جدي الأسد وعضه عضة قوية في جنبه، ولأن الأسد هجم على جدي من ظهره فإنه لم يأخذ باله، فمن المعروف أن المدرب عندما يعطى ظهره للأسود فالمساعدين يقولون له اسم الأسد الذي خلفه حتى يتجه نحوه في حالة الهجوم عليه”.

وأضافت:؟ “ووقت الهجوم كان جدي يحي الجمهور ومن قوة التصفيق لم يسمع صوت المساعدين عندما نبهوه، فانقض عليه الأسد وعضة بقوة، كان وقتها موسم التزاوج بين الأسود فكانت الأنثى تحب ذكر واحد اسمه (جبار) فالحيوانات لا تتحكم في غرائزها، وعندما أراد الأسد (سلطان) الاقتراب منها فالأسد (جبار) ضربه، فأراد والدي السيطرة على الموقف فضرب الأسد (سلطان) حتى لا يضرب الأسد (جبار) أمام الجمهور، فالأسد (سلطان) اعتقد إن جدي مع الأسد (جبار) ضده، وبعد انتهاء العرض أثناء تصفيق الجمهور، انقض الأسد (سلطان) على جدي أمام الجمهور وامسك بفكية في خصره”.

وفاة محمد الحلو ومصير الأسد سلطان

مات محمد الحلو في المستشفى، وكانت وصيته ألا يمس أحد سلطان بسوء، وكانت آخر كلمة قالها محمد الحلو وهو يموت: أوصيكو ما حدش يقتل سلطان. وصية أمانة ما حدش يقتله”.

وبالفعل نفذ أبناء عائلة الحلو وصيته، وقرر مدير السيرك نقله إلى حديقة الحيوان باعتباره أسداً شرساً لا يصلح للتدريب ولا للعروض وبعد فتره من نقله إلى حديقة الحيوان مات الاسد، ورواية موته أنه مات حزنا وكمدا على الحلو، حيث رفض الطعام، وظل ينهش في جسده، حتى أنه قسم ذيله نصفين، ثم قطع بمخالبه ساقه، وأكلها، ومات بعدها بأيام.

وفي كتابه رأيت الله، يقول الدكتور مصطفى محمود، عن قصة وفاة الأسد سلطان: “وفي حديقة الحيوان استمر سلطان على إضرابه عن الطعام فقدموا له أنثى لتسري عنه فضربها في قسوة وطردها وعاود انطواءه وعزلته واكتئابه، وأخيراً انتابته حالة جنون، فراح يعضّ جسده وهوى على ذيله بأسنانه فقصمه نصفين !!!.. ثم راح يعضّ ذراعه، الذراع نفسها التي اغتال بها مدرّبه، وراح يأكل منها في وحشية، وظل يأكل من لحمها حتى نزف ومات واضعاً بذلك خاتمة لقصة ندم من نوع فريد.. ندم حيوان أعجم وملك نبيل من ملوك الغاب عرف معنى– الــوفـــــاء — وأصاب منه حظاً لا يصيبه الآدميون.

أسدٌ قاتل أكل يديه الآثمتين، درسٌ بليغ يعطيه حيوان للمسوخ البشرية، إنّي أنحني احتراماً لهذا الأسد الإنسان، بل إني لأظلمه وأسبّه حين أصفه بالإنسانية ..!

 

 

 المصادر 

كتاب أنا سلطان قانون الوجود – يوسف إدريس.

– كتاب رأيت الله – دكتور مصطفى محمود. 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!