المقالاتتقاريرسلايد

اعترف بحبه قبل ساعات من العبور.. واستشهد وترك خطابه

اعترف بحبه قبل ساعات من العبور.. واستشهد وترك خطابه

كتب – أحمد المرسي

للحروب جانبًا مؤلمًا حتى وإن كانت أغراضها شريفة، ونتائجها مهمة، يقول الكاتب أحمد عبد العليم:”الحروب تقوم كى يبقى البشر ويموت الشر، فيبقى الشر ويموت البشر بعبقريه شديده”.

والحقيقة أن هذا ما يحدث.

أحد الدلائل على تلك المقولة هو خطاب تركه صاحبه لنا منذ 49 عامًا خلت. ثم رحل.

موت في آخر لحظة

يقول أهالي الشهيد عبد المجيد (حسني) محي الدين أنه توفي في يوم 24 أكتوبر من عام 1973. بعد قرار وقف إطلاق النار. حيث أنه قضى الحرب كاملة في سيناء يقاتل. وبعد أن كفت المدافع عن الدوي. وزفر الجميع زفرة الارتياح. وبضربة جوية غير مبررة يصح بوصفها غادرة قصف الطيران الإسرائيلي موقع كتيبة الحرب الكيماوية في الجيش الثالث الميداني. فقابل ما كان مكتوب له من قبل أن يولد.

شهيد وقارورة زجاجية

يقول زملاء حسني محي الدين أنهم دفنوه في الصحراء – لأنهم كانوا مجبرين على مغادرة موقعهم.بحسب التعليمات العسكرية التي جاءت لفرقتهم – فقد دفنوه على عجل وبزيه العسكري. فوق تبة رملية. بمنطقة الدفرسوار. ثم وضعوا قارورة زجاجية فوق قبره. كي تكون علامة للكتائب التي ستأتي من بعدهم. والتي كانوا يأملون أن تنقله إلى أهله.

لا يروق لنا أن نترك حسني محي الدين في تلك اللحظة، وزملاءه في الكتيبة يدفنونه، ويصلون عليه. يمكن أن نعود بالزمن إلى يوم قبل ذلك. ربما تحديدًا ليوم 9 أكتوبر.

حماس في قلب المعركة

ترك حسني محي الدين العديد من الرسائل التي كان يرسلها لأخيه الأكبر للأستاذ محمد محي الدين. والحقيقة أنه بمراجعة الرسائل نستطيع أن نقول أن مشاعره قبل الحرب وخلالها كانت متقلبه. فتارة تهدأ وتارة تتأجج.

يمكننا أن نتخيل هذا الشاب في مقتبل العمر. جالسًا في يوم 9 أكتوبر، داخل خندقه، وبزيه العسكري، وكامل شبكة سلاحه، وبيده قلم جاف بحبر أزرق، وروقة، مستغلًا ذلك الوقت القصير من أجل أن يُطمئن ذويه المتلهفين دائمًا وأبدًا لأخبار الجبهة. بجوار الراديو. الذي لم يكن هناك الكثير منه في تلك الحقبة. في مدينة فارسكور التابعة لمحافظة دمياط.

إن الخط الكبير الذي كتب به الخطاب، يدل على ارتفاع الروح المعنوية، واندفاعه الشديد أثناء الكتابة. بعد أربعة أيام فقط من العبور.

كونوا معنا بقلوبكم.. بدعائكم.. بصلواتكم

لاشك أنه كان يشعر بشعور ما عندما داس بقدميه تراب سيناء، شيء شعر به يسري في عروقه، وهو يخبط الأرض بقوة ليقول أنها أرضه. شعور ما ربما استمر لثانية، ولكنه جعله يشعر بذلك البركان في صدره. ربما دمعت عيناه، مثلما دمعت عيون البقية. شعور تم ترجمته في هذا الخطاب. الذي له كمالة طويلة لا يتحدث فيها عن سير المعارك. ولكنه يتحدث عن الشعور.

 

سلامي لكل الأهل والأحباء والأصدقاء ولشعب مصر الطيب وسنأتيه بالنصر القريب إن شاء الله

كان حسني محي الدين متأكدًا أنه يفعل ذلك لشعب مصر الطيب. ربما من فرط مشاعره تخيل أن أخاه قادرًا على أن يوصل سلامه ل 35 مليون إنسان.

إن ارتفاع الادرينالين في جسده كان يدفعه للكتابة بتلك الطريقة. رغم أنه لم يكن أبدًا رجلًا مندفعًا. وهذا يتضح في خطابات كثيرة سبقت ذلك الخطاب، وخطابات لحقت ذلك.

قبل الحرب

هل كان حسني محي الدين خائفًا؟ ربما..

إن التحضيرات للحرب لم تكن وليدة اللحظة، كان يتم الاعداد لها من قبل، وكان الكثيرون داخل الكتائب، يعلمون أن شيء ما يجري.

يخبرنا الخطاب المؤرخ بتاريخ 28 سبتمبر بذلك، حيث سبق ذلك الحرب بأسبوع تقريبًا.

أعذرني على هذا الخطاب فقد كتبته على عجل وأعصابي شوية يعني.. أنني لست خائفًا من شيء ولكن الفراق هو الذي يعز على الإنسان.

في الخطاب، يقول لأخيه:

فأنا متبرجل جدًا لظروف لا يعلمها إلا الله، وستعرفها حين يأتي الاوان

لم نعثر على الخوف في خطاباته أثناء العمليات العسكرية، ولكننا نشتم رائحة القلق هنا، وقبل أيام من المعركة. دون حتى أن يدرك وجودها من الأصل.

إن عبارة أنا “لست خائف” لا تقال دون سؤال إلا إذا كان صاحبها خائفًا بالفعل. وقد كان في مساء تلك الليلة التي كتب فيها هذا الخطاب خائفًا وقلقًا بالفعل. وربما هذا الخوف هو الذي دفعه فيما بعد بأن يفشي بسره إلى أخيه محمد.

محمد محي الدين
محمد محي الدين

اعتراف بالحب

انتهى الصيف. وصار الليل أكثر بروده. هكذا كان يشعر حسني محي الدين في ليلة 5 أكتوبر. وقبل العبور بساعات قليلة. ربما كانت تلك النسمات تتلاعب بقلبه في ذلك الحين. تلك الوحشة في قلبه جعلته يجلس ليكتب خطابًا.

لم يكن الخطاب إلى هذا الحد يشي بأي شيء، ولكن ما حدث بعد ذلك يقول الكثير مما كان يشعر به حسني، فبعد ان أغلق الخطاب، قام بإضافة ورقة أخرى له، وعنونها بكلمة ملحوظة وجذب تحتها بعصبية خطين..

ملحوظة :

أرجوا أن أطلعك على هذا السر، وهو أنني كنت احب (……)، فإذا جاء الأجل فأرجوا أن تبلغها سلامي وتقول لها أنني كنت أحبها ولكني لم أستطع الاتصال بها نظرا للضغوط التي كانت عليها ولم أشأ ان أحرجها فبلغها كل حبي وإعزازي.
وأرجوا أن يظل هذا سر بيني وبينك، ولا تنشره إلا إذا جاء الأجل.
أرجوا أن تدعوا لنا بالنصر وأن يثبت الله اقدامنا وينصرنا على القوم الكافرين وأن يجعل الجنة مثوايا ومثوي المؤمنين.
والسلام ختام ياحبيبي
ماما الغالية : أرجوا الا تحزني
فإن الأعمار بيد الله وهذا واجب مقدس وأرجوا ان تسامحيني
بابا الغالي: أرجو لك الشفاء العاجل ودعواتكم لي
أخوتي الآباء: تمنياتي لكم بالسعادة والهناء
أخوكم
حسني.
لم يكن الأستاذ محمد محي الدين يعلم بقصة حب أخيه حسني طوال تلك الفترة الماضية. ومنذ أن تجند في الجيش. لم يعلم بتلك القصة إلا في ليلة المعركة. التي ربما كانت أطول ليلة في حياته.
رفض كل من الأستاذ محمد محي الدين، وأخوه زكريا محي الدين الافصاح عن اسم الشابة التي كان يحبها حسني أخوهم بعد سنوات طويلة.
والحقيقة أن السبب في ذلك أن الفتاة ماتت بعد وفاة حبيبها بشهور قليلة!.
كان حسني محي الدين مترددًا في كتابة ذلك الخطاب. فقد ختمه أكثر من مرة وفتحه ثانية. ونلاحظ أنه كان يتحدث هنا بصيغة الماضي: “كنت أحبها”. وتلك الصيغة لا يتحدث بها إنسان إلا إذا كان قد تجاوز مشاعره تلك. أو لم يعد موجودًا.
لقد اعتبر حسني نفسه غير موجودًا في تلك الليلة. كان شيء ما يخبره أنه لن يعود!

الموت في المعركة

كان حسني يتوضأ بحسب شهادة زملاءه، لصلاة العصر. حاولوا اقناعه أكثر من مرة، ومنذ يوم 6 أكتوبر أن يفطر. لصعوبة الأجواء على صائم. ولكنه كان دائمًا يرفض ذلك.

وعندما تهيأ لأداء الصلاة لابد أنه سمع مع زملاءه في السلاح أزيز تلك الطائرة. ثم انتهى كل شيء.

تقول السيدة فادية محي الدين شقيقة الشهيد أن الخبر جائهم عن طريق زملاءه. وقد أحضروا معهم متعلقاته الشخصية، وقد ظلت تلبس الأسود على أخيها في بيت زوجها. وتلبس ملابس أخرى ملونة عندما تذهب لوالدتها. التي كانوا يخفون عنها أمر استشهادة. بعبارات مثل نحن ننتظر عودته مع من سيعودون.

فادية محي الدين
فادية محي الدين

يقولون فيما بعد أن والدته اعتدال قد أصيبت بالصمم بسبب بكائها عليه. وقد ظلت تكره السادات لسنوات طويلة لأنه تسبب في قتل ابنها.

لم تعبأ الأم بالوطن، أو مدى نبل الحرب، أو غيره من كل تلك الأفكار التي كانت تتحدث عنها الجرائد والإذاعات، لم تهتم بمعاهدة السلام، ولكنها كانت تنظر بعاطفة الأم تحت قدميها. فقد ظلت حتى وفاتها امرأة ثمانينية تكره السادات وحكمه وسيرته. لأنه كان يذكرها دومًا بهذا الطفل الذي مات بعيدًا عنها وسط الرمال والدم.

والد ووالدة الشهيد حسني محي الدين
والد ووالدة الشهيد حسني محي الدين

رفض الأستاذ زكريا محي الدين أن يخبرنا باسم الفتاة التي كان يحبها أخاه حسني. قبل وفاته. وكل ما ذكره أنها ماتت بعده بشهور. ولكننا نستطيع أن نستشف الكثير من هذا الخطاب. فالواضح أنه كان يمارس عليها الكثير من الضغوط. ولهذا فلم يستطع أن يراسلها. وقد يعني هذا اكتشاف الأهل بتلك المشاعر النبيلة. ورفضهم لها.

حسني محي الدين
حسني محي الدين

المشهد الأخير

لا نعرف كيف كان المشهد الأخير في حياة حسني محي الدين، فمن الممكن أنه مازح أحد اصدقاءه داخل الخندق، وهو يتوضأ ويتهيأ لصلاه العصر. لا نعرف بوضوح ما حدث. ولكننا لا نريد أن نتركه هنا في ساحة المعركة بين الرماد والدم.

لقد وجدت من الأفضل أن أتركه هناك، بعيدا عن اصوات المدافع، وعلى ضفة نهر النيل البعيد الضيق عند فرع دمياط جالس مع حبيبته والشمس تغيب في الأفق، شاب وشابة في مقتبل العمر ينظران للطيور التي تحط على الضفة الاخرى بهدوء في أحد أيام عام 1972.

 

أقر أيضا

عندما أشتكى رئيس وزراء إسرائيل للسادات من الشعراوي

نفسي أبقى مضيفة .. صورة نادرة لسوزان مبارك عمرها 67 سنة

صاحبة أغرب طلاق ورفضت العالمية بسبب الإسلام وقصتها مع عبد الناصر.. حكايات لبنى عبد العزيز

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!